للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغير ذلك من الآيات السابقة وغيرها الدالة على أن صفة الرضا غير مخلوقة؛ بل هي تابعة للذات الموصوفة فذاته - سبحانه - متفق على أنها غير مخلوقة؛ فكذلك صفته، فلايتصف بصفة مخلوقة.

ومِمَّا يدل على أنها غير مخلوقة: استعاذة النبي - (- بها فقد كان من دعائه واستعاذته - (-: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك} .

فأثبت النبي - (- شرعية الاستعاذة بصفة الرضا، فلو كانت مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركاً؛ لأنها استعاذة بمخلوق، ومعلوم أن الاستعاذة بغير الله - تعالى - وأسمائه وصفاته شرك، فكيف يصح أن يعلِّم النبي - (- أمته ما هو شرك ظاهر، وهو الذي جاء هم بالتوحيد الخالص، ونهاهم عن الشرك؟ بل وكانت رسالته ورسالة الأنبياء قبله: الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك.

فدل هذا على أن صفة الرضا غير مخلوقة، بل وكل صفاته، فالاستعاذة بالرضا استعاذة بصفته -سبحانه وتعالى- إذ رضاه - تعالى - صفته التي يرضى بها عمن يشاء من عباده، وأمَّا المخلوق فهو أثر تلك الصفة من النعم ودفع النقم فذلك منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى - وإن سمي باسم الصفة (١) .

فيجب التفريق بين الرضا صفة الله - تعالى -، وما سواه مِمَّا يحصل من أثره.

والعقل الصريح المعافى من الشبهات والشهوات يدرك أن الرضا لو كان مخلوقاً فلايخلو من أحد حالين:

الحال الأولى: أن يكون مخلوقاً قائماً بذات الله.

الحال الثانية: أن يكون مخلوقاً منفصلاً عن الله بائناً عنه.

وكلا الحالين باطل، بل كفر شنيع.

أمَّا الأول: فيلزم منه أن يقوم المخلوق بالخالق، وهذا باطل في قول أهل السنة والجماعة، وعامة أهل البدع، فإن الله بائن من خلقه - سبحانه - مستغن عنهم من جميع الوجوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>