يعتقد السلف - رحمهم الله تعالى - أن لله - تعالى - صفة الرضا، وهي قائمة به غير بائنة عنه (١) ، لا ابتداء لاتصافه بها، ولا انتهاء، فهو يرضى متى شاء، كيف شاء - سبحانه وتعالى -، فلاتقوم بنفسها؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالذات الموصوفة بها، كما أن الذات لابد لها من صفة تميزها عن الذوات.
وكما أن جميع صفات الله غير مخلوقة فكذلك صفة الرضا غير مخلوقة، وأمَّا أثرها وهو ما يحصل للعبد من النعمة اندفاع النقمة، فذاك مخلوق منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى -.
وقد يسمى الأثر باسم الصفة (٢) .
وهي على ما يليق به - سبحانه وتعالى -، فكما أن له - سبحانه - ذاتاً على الحقيقة فله صفة على الحقيقة وكما أن ذاته - سبحانه وتعالى - ليست كذوات خلقه، فكذلك صفته ليست كصفات خلقه.
فرضاه - سبحانه وتعالى - ليس كرضا المخلوقين (٣) .
ولايصح أن يقاس رضا الله -تعالى- على رضا المخلوقين، فإذا كان الراضي ليس كالراضي، فإن الرضا ليس كالرضا.
فلايصح أن يدخل رضى الله مع رضا المخلوق في قياس تمثيل، ولا قياس تستوي جميع أفراده فالله - سبحانه وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(٤) لا في ذاته، ولا في صفاته - سبحانه - {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وله المثل الأعلى.
فالله - سبحانه - حينما وصف نفسه بالرضا ووصف بعض المخلوقين بالرضا فليس الرضا كالرضا كما أنه ليس الراضي كالراضي، فرضاه - سبحانه - على ما يليق به رضاً يختص به ورضا المخلوق على ما يليق به، ولايلزم من تواطئ الصفتين أو اشتراكهما في الاسم العام المشترك في المعنى العام:التماثل والتشابه، فرضا الله - سبحانه - وإن أشبه رضى المخلوق من وجه فإنه مخالف له من وجه آخر.
إن شابهه في اللفظ والمعنى العام، فإنه لايماثله في الحقيقة، فحقيقة رضا الله ليست كحقيقة رضا المخلوق، فكما أن حقيقة ذات الله - سبحانه وتعالى - ليست كحقيقة الذوات فكذلك صفته.