للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إنه يجب أن يُعلم أن النفي الوارد في هذا الباب ليس هو النفي المحض (١) ، وإنَّما هو النفي الذي يتضمن إثبات الكمال؛ لأن النفي المحض لا مدح فيه؛ لأنه عَدَمٌ محض والعدمُ ليس بشيء، ولذلك فكل النفي الذي جاء في هذا الباب فهو لإثبات ضده من الكمال، كقوله تعالى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (٢) أي لكمال عدله، وقوله تعالى: {وَلاَ يئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (٣) أي لكمال قوته واقتداره، {لاَ تَأْخُذُهُ , سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} لكمال قيّوميته، والله أعلم.

فهذه القاعدة التي تقوم على هذه الدعائم العظيمة: الإثبات المفصل، والنفي المجمل، وعدم التكييف والتمثيل، أو التأويل والتحريف، لمفضي إلى التعطيل، هي: القاعدة السليمة السديدة، التي تدل على علم السلف - رحمهم الله – بحقيقة ما وصف الله به نفسه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله - (-.

فكانوا أعرف الناس بربهم - سبحانه -، وأعلمهم بما يستحقه - سبحانه - من كمال، وأكثرهم تنزيهاً له عما لايليق به - عزّوجل - فلم يعطلوه من أسمائه وصفاته، أو يكيفوها أو يمثلوها بصفات خلقه، أو يؤولوا نصوصها بغير المعنى المراد تأويلاً أو تحريفاً يفضي إلى تعطيلها أو تعطيل معانيها.

فكانوا أقرب الناس معرفة بمعاني الصفات، وأبعدهم عن الخوض فيما لم يحيطوا به علماً مِمَّا أخبر الله - تعالى - عنه من الغيب، فكما أنهم لم يحيطوا بذات الله علماً، لم يكونوا يحيطوا بصفاته علماً: إذ الكلام في الصفات كالكلام في الذات، أو كما قال السلف: {القول في الصفات كالقول في الذات} (٤) .

فكما أن له ذاتاً لاتماثل الذوات، فكذلك له صفات لاتماثل الصفات، إلاَّ أن صفاته كانت دليل المعرفة به - سبحانه -فهي معلومة المعاني مجهولة الكيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>