لا تحسبوا طول حمل الكاس في يد من ... أحببته أنّه ساه ولا ناسي
لكن رأى وجهه فيها وأعجبه ... جماله فأطال الحمل للكاس
وحكي أنّه كان له صديق يسر بموافقته، ويصرّ على مرافقته. كانا نجيّين في السّرور، ويضعان ويرتشفان الحبور ويرتضعان، ثمّ حصلت بينهما مقاطعة وهجرة، أظلمت ما بينهما، والكؤوس ساطعة، ومكثا على الهجران، حتى آن أن يلقي الشّتاء الجران «١» ، فهبّ يوما من منامه، وصبّ للاصطباح كؤوس مدامه، والجوّ قد مرحت فيه قطع الغيم، ولبس منه صدور البراءة وحلّة الأيم. فلمّا برئت من الشّفق الجراح، وتعلّق السّحاب دون السماء تعلّق القطاة بالجناح، تذكّر عهد صاحبه المفارق، وساقه إليه من شعاع المدام وميض البارق، فكتب إليه:[البسيط]
إلى متى ذا التواني يا نديم فقم ... والق المدام بإكرام وإعزاز «٢»
فيومنا بابتسام الجوّ تحسبه ... من عقل من بات فيه صاحبا هازي
فقد تجعّد مبيضّ الغمام به ... دون السّماء فحاكى جؤجؤ البازي «٣»
فلمّا قرأها قام إليه، وقطع يمينا لا يغلو بإنفاق العمر عليه.
وحكي أنّه اتخّذ له بادهنجا تغيّر عليه هواه، ولم يحسن إرساله للنّسيم ولا هواؤه، فقال فيه:[البسيط]
قد كان لي بادهنج أستلذّ به ... في القيظ منه النّسيم الرّطب ألتمس
لكنّه، عشتم، قد مات من زمن ... أما تراه وما يبدو به نفس
وكذلك حكي أنّه رأى وردا يستخرج ماؤه، وقد فارت في الأنابيب دماؤه،