للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّ الغناء الذي قد كان يطربني ... بكم وينشي مسراتي وأفراحي

هو الذي صار ينشي بعد بينكم ... حزني ويجعل دمعي مزج أقداحي

ثم أصبح وهو ما هو عليه من الجماح، وأصحر وقد غنّت ذوات الجناح، فجعل يبكي ويقول: [الكامل]

أعلمت أنّ الورق بعدك ساعدت ... أهل الهوى بالنّوح والأحزان

وبحقّها ناحت عليك لأنّها ... فقدت قوامك في غصون البان

وحكي أنّه جلس مرّة بالمسجد الجامع، وقد أجاب داعي مؤذّنه السّامع. فلما فرغ من أداء ما وجب، وجلس إليه رجل يقرأ كتابا ويظهر العجب. فلما امتدّ في ذلك الطّلق، ولم يفه لسانه ولا نطق، فقال له: ممّ تعجب، ولم تتخفّى السّماء وتحجب؟ فقال: إنها درعيات أبي العلاء، ودرّيّات ذلك اللألاء. فقال: اقرأها عليّ، وهاك ما لديّ. فقال: لا والله حتى أترح عليك وإلّا (١٤٢) فاطرح وإليك، فقال على لسان الدّرع: [الطويل]

هنيئا لمن يأوي إليّ فإنّه ... يلوذ بحصن لا يرام حصين

وألبسه في الرّوع ثوب سلامة ... وألقى الرّدى عن نفسه بعيون

وحكى أنّه دعاه بعض الرؤساء إليه في ليلة باردة، أصبح منها بطن الأرض مقشعرّا، وظهر الرّوض من الزّهر قد تعرّى، والجليد قد أقلّ حيل الجليد، والبرد قد نهك الحديد، فسار على كره منه وغيظ لم يثنه، حتى أتى مجلسا أمامه بحرة لو جاراها البحر لجارت، أو أطلقت فيها أزمّة السّفن لسارت، ترمي فيها فواره كإنسان يتشهّد في الماء، أو عمود فضّة يقيم خيمة السّماء. فقال له ذلك الرئيس: هل قلت في ليلتك هذه شيئا؟ فقال: نعم. فقال: ما هو؟.

فأنشده: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>