وقال الآخر: إني كلف بفتى دقيق الخصر، لم يحو مثله القصر. فقل فيه.
فقال:[السريع]
قد أظهر المحبوب أعجوبة ... حار بها العاشق في أمره
ضاق على خنصره خاتم ... فردّه يقلق في خصره
وحكي أنه مرّ مرّة بدار كان يعهدها معاهد ظباء، ومواعد حباء. فرآها مقفرة الأبيات، من سوانح تلك الظبيات، فوقف بها باكيا، وطاف بأطلالها شاكيا، وهو يقول:[البسيط]
(١٤١) يا ليت دارهم من بعدهم رسخت ... تحت الثّرى واختفت عنّي إلى الأبد
فإنّ رؤيتها من بعدهم سبب ... إلى تضرّم نار الشّوق في كبدي
ثم عكف عليها طائفا، وتذكّر تليدا وطارفا، وقال:[الكامل]
كانت ديارهم بهم مأهولة ... تغدو بها غزلانها وتروح
حتى نأوا عنها فصارت بعدهم ... كالجسم لما فارقته الرّوح
ثم والى الزّفير والشّهيق، حتى رثى له الشفيق، ورأى الخليّ أنه لا يفيق.
وحكي أنّه خلا بنفسه في بعض مجالس أنسه، متداويا من هوى برّح بقلبه في جارية، كاد ريّاها يطير بلبّه في ليلة أفصحت العيدان بحروف معجمها، وقرئت صحائف الظلماء بنقط أنجمها، وجرّت كمّت الكؤوس إلى وردها، وخلطت مسك الليل بوردها. وأقبلت الجواري والولدان كاللؤلؤ المنثور، ووصلت الظلماء بذوائب الشّعر المنشور. وأقسم السرور أن قفل الظلماء على الفجر لا يفتح، وآلى أن جانب السّحر له لا يفسح، فقال:[البسيط]