الشعراء. وهو لا يبوح ببنت شفة، ولا يحترف معهم تمرة ولا خشفه، إلّا أن تلبّث خاطره قد انفجر، وخاسئ فضله لهم قد زجر. فلما لم يوم إليهم بطرف، ولا نطق بحرف، همّوا بمناجاته، فعالجهم بمفاجاته، حين أعورت عينه قذاتهم، وأعولت عنده أذاتهم، وقال: لقد جهلتم غرر المصاع، وكلتم زمر الناس كلّهم بصاع، (١٤٠) ولو اختبرتم القدّ على المحكّ، لبان الشّك. فتنوّعوا حينئذ في الاقتراح، وكدّوا خاطره فاستراح. فقال أحدهم: صف فوّارة. فقال:[الطويل]
سمت فأعادت في السماء مياهها ... وزادت فأجرت من مجرّتها نهرا
وقال الآخر: صف كلبا أحمر. فقال:[البسيط]
وثقت بالصّيد لّما أن ركبت له ... بمستطيل على وحش الفلا ضاري
بأحمر اللون خفّت روحه فله ... روح من الرّيح في جسم من النّار
وقال الآخر: قل في غلام طويل الشّعر. فقال:[الكامل]
قال الحبيب وقد رآني خائفا ... إذ زارني من أعين النّظّار
أرسلت شعري حين جئتك زائرا ... خلفي فعفّى عنهم آثاري
وقال الآخر: صف روضا تعبث به النسيم. فقال:[الكامل]
روض تحلّى بالنبات فماله ... ولحسنه إلا السّماء نظير
والزّهر مثل الزّهر تحسب أنها ... فيه إذا هبّ النّسيم تسير
وقال الآخر: صف حديقة قد اهتزّ دوحها، وابتزّ عرف الجنان روحها، واخضلّ فيها نبت النعماء، ورفّت بنت الروض على ابن ماء السماء. وبينها نهر صفا ضميرا، وغدا لأطفال النبات ضيرا. فقال:[مجزوء الكامل]