للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان العرب على جهلها بالقلم وخطه، والكتاب وضبطه، تصرف إلى التواريخ جل دواعيها، وتجعل له أوفر حظ من مساعيها، فتستغني بحفظ قلوبها عن حفظ مكتوبها، وتعتاض برقم صدورها عن رقم مسطورها، كل ذلك عناية منهم بأخبار أوائلها، وإبانة فضائلها؛ وهل الإنسان إلا ما أسسه ذكره وبناه؟

وهل البقاء بصورة لحمه ودمه لولا بقاء معناه؟.

ومنه قوله:

الخادم يعود المولى من شكاة جسمه، والناس يعودون الخادم من شكاة همه؛ وإذا مرض المولى المنعم سرى مرضه إلى عبيده وخدمه، فهم مشاركوه في اسم مرضه، وإن خالفوه في صورة ألمه؛ وقد تمرض أرواح المرض أجساد، ويشتركان في كل شيء حتى في عيادة العواد.

ومنه قوله في السير:

ولقد سرت مسير الأخبار، وأخذت بمطالع الليل والنهار، حتى عدمت رفقة ورفقا، وصيرت للغرب غربا وللشرق شرقا.

ومنه قوله:

إذا وقفت بالدار تسائل أحجارها، وتبكي آثارها، فإنك لا تبكي التراب، بل الأتراب، ولا تندب الآثار الحائلة، بل الأحباب الزائلة، ولا فائدة في سلامك على الطلل الذي لا يعي خطابا، ولا يرد جوابا، فإنما تخاطب أصداء لا تملك إعادة ولا إبداء؛ وإذا شغلت نفسك بسؤال التراب والجندل، فلا فرق بين سؤال من لا يجيب، وجواب من لا يسأل.

ومنه قوله قريب منه:

<<  <  ج: ص:  >  >>