لفمه واليدين، فلما أحس بنا طار خيفة حتفه، وكاد أن يخلف ظله من خلفه، فأرسلنا عليه سلس الضريبة، ميمون النقيبة، منتسبا إلى نجيب من الفهود ونجيبة، كأنما ينظر من جمرة، ويسمع من صخرة، ويطأ من كل برثن على شفرة، وله إهاب قد حيك من ضدين بياض وسواد، وصور على أشكال العيون، فتطلعت إلى انتزاع الأرواح من الأجساد، وهو يبلغ المدى الأقصى في أدنى وثباته، ويسبق الفريسة فلا يقنصها إلا عند التفاته، وقد علمت الظباء أن حبائلها في حبل ذراعه، وأن نفوسها مخبوءة بين أضلاعه، فلم يكن إلا نبضة عرق، أو ومضة برق، حتى أدرك عقيلة من تلك العقائل، فأناخ عليها بكلكله، ووقف بإزائها ينتظر وصول مرسله.
ومنه قوله:
والتاريخ معاد معنويّ يعيد الأعصار وقد سلفت، وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت، ويستفيد به «١» عقول التجارب من كان غرا، ويلقى آدم ومن بعده من الأمم وهلم جرا، فهم لديه أحياء وقد تضمنتهم بطون القبور، وعنه غيب وقد جعلتهم الأخبار في عدة الحضور؛ ولولا التاريخ لجهلت الأنساب، ولم يعلم الإنسان أن أصله من تراب، وكذلك لولا [التاريخ] لماتت الدول بموت زعمائها، وعمي عن الأواخر حال قدمائها، ولم تخطّ علما بما تداولته في الأرض من حوادث سمائها؛ ولمكان العناية إليه لم يخل منه كتاب من كتب الله المنزلة، فمنها ما أتى بأخباره المجملة، ومنها ما أتى بأخباره المفصلة، وقد ورد في التوراة في سفر من أسفارها، وتضمن تفصيل أحوال الأمم السالفة ومدد أعمارها.