للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كنت في الأدب دعيّ النسب، ضعيف السبب، ضيق المضطرب، سيّء المنقلب، أمتّ إلى عشرة أهله بنيقة، وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة، ولكن بقي أن يكون الخليط منصفا في الوداد، إذا زرت زار، وإن عدت عاد؛ وسيدي- أيده الله- ناقشني في القبول أولا، وصارفني في الإقبال ثانيا؛ فأما حديث الاستقبال، وأمر الإنزال والأنزال، فنطاق الطّمع ضيق عنه، غير متّسع لتوقّعه منه.

وبعد: فكلفة الفضل هينة، وفروض الودّ متعينة، وأرض العشرة لينة، وطرقها بينة، فلم اختار قعود التّعالي مركبا، وصعود التّغالي مذهبا؟ وهلّا ذاد الطّير عن شجر العشرة، وذاق الحلو من ثمرها؟ فقد علم الله أن شوقي إليه قد كدّ الفؤاد برحا على برح، ونكأه قرحا على قرح، ولكنّها مرّة مرّة، ونفس حرّة، لم تعد إلّا بالإعظام، ولم تلق إلّا بالإجلال، وإذا استعفاني من معاتبتي، وأعفى نفسه من كلف الفضل بتجشمها، فليس إلا غصص الشوق أتجرّعها، وحلل الصبر أتدرعها، ولم أغره من نفسي، وأنا لو أعرت جناحي طائر لما طرت إلّا إليه، ولا وقعت إلّا عليه «١» : [الطويل]

أحبّك يا شمس الزمان وبدره ... وإن لا مني فيك السّها والفراقد

«٢»

وذاك لأنّ الفضل عندك باهر ... وليس لأنّ العيش عندك بارد

فلمّا وردت عليه الرّقعة، حشر تلامذته وخدمه، وزمّ عن الجواب قلمه، وجشّم للإيجاب قدمه، وطلع مع الفجر علينا طلوعه، ونظمتنا حاشيتا دار الإمام أبي الطيّب أدام الله عزّه؛ فقلت: الآن حين تشرق الحشمة وتنوّر، وننجد في

<<  <  ج: ص:  >  >>