للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه "النظرات" التي كان الأدباء يتشوقون إليها، ويعدون لها أيام الأسبوع يوما بعد يوم، ويترقبون لرؤيتها ما يترقبه الضال في ظلمة الليل البهيم من الفجر الطالع، والظاميء في المهمة القفر من الغيث الهامع١.

امتازت هذه المقالات بطابعها الأنيق، ومعالجتها شئونا مختلفة بأسلوب رشيق جمع بين الأدب العالي، وإرضاء الذوق؛ لأنها كتبت بلغة موسيقية صافية، فكانت بمثابة الوحي يهبط على جمهور تعود قراء الكلفة والتصنع، وقد انتشرت انتشارا واسعا بين قراء العربية من بغداد إلى مراكش، وهذا مما يدل على أنهم ألفوا فيها شيئا قيما، كما كانت تمثل الشعور الذي تردد صداه في العالم الإسلامي أبلغ تمثيل٢.

كان "المنفلوطي" رحمه الله رحيم الفؤاد رقيق العاطفة، يهتز لكل مأساة، ويبتئس لكل كارثة، وتسيل عبراته على ما تقع عليه العين من شقوة أو بأساء، ومن كتب في البؤس والمأساة فبلغ ما لم يبلغه أحد، وصور ما يعتلج في الأفئدة من هموم وأحزان بقلم باك، وبراعة دامية وقال فيه عارفوه ومن صاحبوه: "إنه لم يكتب إلا عن فيض شعوره وحسه، وإن كتاباته صورة حقيقية لنفسه".

المنفلوطي القصصي:

ثم إن "المنفلوطي" تناول القصة فمهد لها في الأدب العربي طريقا، وفسح لها في فنونه مكانا وبلغ بها منزلة سامقة، وذلك أنه كان يستعين بإخوانه ممن يعرف لغة أجنبية، فيستوحيه معاني القصة، فإذا ما استقرت في نفسه


١ أشهر مشاهير أدباء الشرق للسندوبي ج٢ ص١٨١.
٢ من مقال لمستعرب إنجليزي في مجلة "إسلاميك كلنشر".

<<  <  ج: ص:  >  >>