للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهم ما يسر له هذه المكانة بعد روائع أسلوبه الذاتية بروز شخصيته فيما يكتب، ويصور حتى قال المرحوم "سعد زغلول باشا": إني لأرى لك في كتابتك شخصية أتمنى أن أجدها كثيرا في أقلام الكاتبيين".

وكان رفيع الأدب في كل ما يكتب، فلم يسف في مقال ولم يتدل في موضوع بل كان" الكاتب الفريد الذي يحافظ على أسلوبه في جميع حالاته، وشئونه سواء في ذلك المعاني المطروقة لكتاب العربية الأولى، أو التي لم يكتبوا عنها شيئا، ولم يرسموا لها أسلوبا مما يدل على أن السليقة العربية ملكة من ملكاته لا عارية من عواريه١.

ولم يكن مفتونا بالصنعة، متهافتا على تجويد الأسلوب، بل كان طبعه يغلب صناعته، ولم تكن الصنعة لتخلق أديبا "كالمنفلوطي" في نباهة شأنه، وروعة أدبه، ولو رجحت الصنعة في أدبه لضل في ثناياها الغرض، وغمرت الفكرة وعز عليك أن تجد له هذه الأفكار الحية، وتلك الموضوعات الاجتماعية التي يتهم فيها وينجد، التي عبر فيها عن خلجات النفوس، وخفقات القلوب ومسارح الفكر والشعور، وصور بها الآلام والأحزان صورة يرتسم فيها الأسى حتى كان من أشد الأدباء تأثرا بالأدب الغربي، واصطباغا بصيغته.

وأول ما بهر الناس من أدبه، وفتنهم من جمال أسلوبه ما نشره من "نظراته" في صحيفة "المؤيد" سنة "١٩٠٨"، فقد اهتزت لها القلوب والأسماع، "ورأى الأدباء والقراء في هذا الفن الجديد ما لم يروا في فقرات الجاحظ، وسجعات البديع، وما لا يرون في غثاثة الصحافة، وركاكة الترجمة فأقبلوا عليها إقبال الهيم على المورد الوحيد العذب٢".


١ أشهر مشاهير أدباء الشرق للسندوبي ج٢ ص١٨٦.
٢ أحمد حسن الزيات من مقال له في "الرسالة" السنة الخامسة العدد ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>