للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجهد مؤت في الحياة ثماره ... والجهد بعد الموت غير مضاع

فإذا مضى الجيل المراض صدوره ... وأتى السليم جوانب الأضلاع

فافرغ إلى الزمن الحكيم فعنده ... نقد تنزه عن هوى ونزاع

أدب المنفلوطي:

لقي الأدب "بالمنفلوطي" حياة جديدة، وتهيأت له بقلمه جدة وروعة، فأينع وانتعش، كان رشيق القلم عذب البيان، فصيح التعبيير مشرق الديباجة محكم الرصف متين النسج، وكان مرهف الحس دقيق التفطن لمواطن البلاغة طروبا للتعبير الفخم، والتركيب المحكم، يحتفل بأسلوبه، ويجود في صياغته إذا هبطت عليه سجعة، فذاك وإلا لم يتكلف طلبها، ولم يتعمل١.

وإذا جاز أن يكون الأدب العربي المعاصر قبل "المنفلوطي" دائرا على اللفظ يغل الفكرة، فلا يتوخاها ويغضي عن المعنى، فلا ينفذ إلى روائعه، فإن "المنفلوطي" كان أحد أولئك الأدباء القلائل الذين أدخلوا المعنى، والقصد في الإنشاء بعد أن ذهب منه كل معنى، وضل به الكاتبون عن كل قصد٢.

وقد حدث المستعرب "أغناطيوس"، فيما قاله عن الأدب العربي الحديث، ورجال له، فقال: "امتاز مصطفى لطفي المنفلوطي، وهو أصغر تلاميذ الشيخ عبده سنا بالجهود الموفقة لابتكار أسلوب جديد شائق، ويمكننا أن نقول: إنه نجح كثيرا عن جدارة، واستحقاق٣".

وكان المنفلوطي صاحب طريقة في الأدب وذا مكان ملحوظ فيه، ولقد بهر الناس أدبه وفتنهم روعته وجذبتهم طريقته السهلة المشرقة المتدفقة حتى كان محفوظ التلاميذ مرقوب المتأدبين، وكان بحيث لو لم يذكر المنفلوطي مع ما يكتبه لنم أسلوبه عنه، وهدى إشراقه إليه.


١ المفصل ج٢ ص٣٨٨.
٢ مراجعات العقاد ص١٧٠.
٣ ترجم الأستاذ أمين حسونه النواوي هذا البحث في مجلة الرسالة ص٢٠٨٦ "السنة الرابعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>