للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن التربية الصحيحة وأثر المربين في النفوس "أولئك هم المرشدون الحقيقيون، فإن رزقت الأمة بمثلهم فبشرها بالسعادة، وإن رزئت بمطبين لا أطباء بأن صعد على منابر النصح فيها الجهلة، والأغبياء والسفلة والأدنياء، فأنذرها بالفناء والشقاء، فإن المرشد الضال والنصوح الجاهل يودع النفوس رزائل الأخلاق باسم أنها فضائل، ويغرس فيها جراثيم الشر باسم إنها أصول الخير، ولربما كان مقصده حسنا، ولا يريد إلا خيرا، ولكن جهله يعميه عن سلوك طريقه، ويبعده عن اتخاذ رسائله، فتقع الأرواح في الجهل المركب، وهو شر من الجهل البسيط.

وفي المرحلة الثانية:

حينما زادت ثقافته الحديثة عن طريق الغرب، واتصل بالحياة الاجتماعية والصحف، واطلع على كثير من كتب الأدب كان ذلك تيارا جديدا نفع أدبه بروح التحرر من أغلال الصنعة اللفظية، واتجه إلى المعاني والموضوعات الحية، والأفكار الجديدة وهجر كثيرا من السجع والمحسنات البديعية، وكان مظهر ذلك ما جاء في بعض مقالاته في الوقائع المصرية، وكثير من رسائله، ومنها ما كتبه في الوقائع الصادرة بتاريخ ٩ فبراير سنة ١٨٨١ تحت عنون "منتدياتنا" العمومية وأحاديثها"، جاء فيه: "نواصل الليل بالنهار في اللهو واللعب بلغت منا الخرافات، والهذيانات مبلغا جسيما حتى استحوذت علينا، فأنستنا ذكر الحقائق النافعة، والمصالح المهمة وصارت تلك الأخلاط الفاسدة كملكات للنفس يتعسر زوالها إلا بذهاب الأرواح والأشباح، تعقد عندنا بالمجالس، ولكن على ذكر أنواع الخمور، والمسكرات يطرب المجتمعون فيها بذكر أوصاف الغيد الحسان، ويصرفون ثلثي الليل على قهاوين، ويشربون فيها من المواد الممزوجة بالعقاقير المسامة قدرا لا تسوغه طباع الوحوش الضارية، ولا الأسود الكاسرة، وفي خلال ذلك يتشاقون ويتخاصمون، حيث أن كلا منهم بفضل مألوفه على مألوفات صاحبه، ويعدد أوصافه ويذكر محاسنة، ويشرح مزاياه من حور عيون ورقة خصور وعذوبة منطق، وما شاكل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>