للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاضر والمستقبل معا، ويعمل لتنهض مصر في اليوم والغداة، قال له الشيخ "المنفلوطي" في يوم من أيام جهاده في الجمعية التشريعية: ما الذي تستفيده يا مولاي من إجهاد نفسك في شئون قلما تنال فيها الأغلبية في الجمعية؟ فأجاب جواب الرجل الذي يعرف أين هو من عمله، ويعرف السلاح الذي يستخدمه في نضاله: سواء لدى أنجحت أم لم أنجح، فإني لا أخطب في الجمعية التشريعية وحدها بل في الأمة جميعها، ولا أخاطب الحاضر وحده بل أخاطب المستقبل أيضًا١.

تفتحت عيناه على هضيمة مصر وتهدج في سمعه صوت الحرية المخنوق، وهاله أن يكون الوطن أسلابا يغنمها الدخيل.

لقد تمثلت زعامة "سعد" في ثورته المبكرة التي أذكى روحها الأفغاني والإمام، فشب وهو حدث متمردا على كل فاسد، فإنه ليأبى وهو طالب بالأزهر مسايرة الجمود في بعض نواحيه، فيصيح فيمن يصيح طالبا الإصلاح والتهذيب.

ثم تبدت زعامته في كل ما كان يكتبه، وهو طالب في مستهل صباه، ثم كانت الزعامة فيه محاميا منزها، وخطيبا مفوها وقاضيا عادلا ووزيرا مناضلا، ثم مجاهدا جبارا يوقظ الأفئدة المصرية، فلا يعيش أحد في عهده بغير روح ثائر وقلب خافق.

دعا فتجاوبت الآفاق بدعوته، وهتف فرددت القصور والأكواخ هتافه، واستجابت لرغبته، وأنشد نشيده العذب فكان للعقول غذاء:

إنما تنجح المقالة في المر ... ء إذا صادفت هوى في الفؤاد

لقد صنع هذا الرجل العظيم ما تصنع حرب كبيرة، فجمع الأمة كلها على معنى واحد لا يتناقض، ودفعها بروح قومية واحدة لا تختلف، وجعل


١ سعد زغلول للعقاد ص١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>