للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاد إلى البلاد المصرية حيث كان الجهاد قد آتى شيئا من أكله، فحصل على تصريح من الحكومة البريطانية في ٢٨ من فبراير سنة ١٩٢٢م يخلي بين مصر وشئونها، ويعترف فيه بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، إلا أن الإنجليز احتفظوا لأنفسهم ببعض الشئون، وأعلن أثر ذلك الملك فؤاد استقلال مصر، ثم أصدر "الدستور" في سنة ١٩٢٣، وكانت هذه خطوات موفقة في سبيل الاستقلال، وبواكير طيبة من ممار الحرية لولا أن إحدى اليدين تسلب ما أعطت الأخرى.

وفي مطلع سنة ١٩٢٤ ألف "سعد" وزارته الشعبية حيث ظفر بالأغلبية النيابية، ثم اعتزل الوزارة في ذلك العام، وأسندت إليه رئاسة مجلس النواب، وظل فيها حتى أغمده المنون في ٢٢ من شهر أغسطس سنة ١٩٢٧، فجزعت نفوس، وفزعت قلوب، وكان رزء مصر به أجل رزق، وخطبها بوفاته أقدح خطب.

زعامة سعد:

لو تفرس الناس في "سعد" منذ صباه لطالعتهم زعامته المشرقة، ولو تفطنوا إلى مواهبه حدثا لاجتلوا رجولته الناطقة، ذلك؛ لأن "سعدا" لم تواته الزعامة بعد خمول وقعود، ولكنه شب كالزهر الناضر فواح الشذى ريان العود، ولم تكن زعامته رأيا واتاه في مصادفة الحوادث فجن به، وافتتن بل كانت إحساسا يخالط جوانحه، ويقينا يملأ جوارحه.

كان الجهاد معنى في نفسه، والعظمة دما في جسمه، والقوة جوهرا في إرادته والحرية صرخة في دمه.

عبد "سعد" الطريق الحياة الكريمة لمصر، وعلم الجيل كيف يفنى في سبيل المجد ليعيش ماجدًا، وكان يجاهد لا لمعاصريه بل لمن بعدهم، ويوقظ الجيل

<<  <  ج: ص:  >  >>