للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن سعدًا عاش في هذه الوزارة يحمل معه نفسه وطريقته، وظل يلبي ضميره، ويعمل برأيه وتصرفه الخاص، فجد في إصلاح نظم القضاء، وتعقب القوانين القائمة بالتهذيب، والتعديل حتى أصبحت تساوق الحاجة، وتدارج روح العصر.

حفظ "سعد" للمحامي كرامته، وللقاضي حرمته، ولم يعبأ برأي متبع أو عرف مألوف، ووقف العدالة من كل مظلوم، ولم يتراجع، ولم يقف عند حد الحذر والمجاملة حينما عرضت قضية من القضايا لمصادمة مرهوبة جمعت عليه كل قوة من البلاد المصرية؛ لأنها مصادمة المال، ومصادمة "اللورد كتشنر"، ومصادمة الأمير "عباس الثاني"، وهما قابضان على كل قوة فعلية، أو شرعية في الحكومة١.

وقصة هذه القضية أن أميرة مصرية تزوجت من فتى رومي مسيحي، فصدر أمر "الخديو" بمحو اسمها من الأسرة، وإحالة ملكها إلى قيم يشرف عليه، ويقدم حسابه إلى وزارة الحقانية، وكان هذا القيم من رجال الخديو، وكان إلى جانب ذلك من الأصدقاء المقربين من "كتشنر" يصاحبه في غدوه ورواحه، ويقضي معه شطرًا من شئونه، فقد اجتمع الخديو و"اللورد" على حبه تقديره.

لاحظ "سعد" في حساب هذا القيم أثناء مراجعته خللا ظاهرا استوقفه، واستغضبه فأشار بعزله، وإذ ذاك عز على "كتشنر" أن ينال ذلك أحد الأوفياء له، وأن تذاع الهزيمة القاصمة للرجل الجبار، فاستعدى على "سعد" حكومة "لندن"، وبينما يترقب الرد وقعت بينه وبين "سعد" مشادة عنيفة خرج "سعد" منها ثائرا محنقا، وقدم على إثرها استقالته.

وإذا كان بعض الناس يخضعون للمناصب، ويغضون الطرف عن بعض


١ سعد زغلول للأستاذ عباس العقاد ص٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>