للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حسَب حال حامِلِه من إكثارٍ وإقْلالٍ، حَتَّى إن فيهم مِنْ أرْبابِ الثَّراءِ مَنْ يَحْمِلُ مِنْهُ عِدَّةَ أحمال، ثُمَّ عِنْدَ عَوْدِهِ يَنْشُرُهُ على من عاقَهُ بِبَلَدِهِ قِلة التوفيقِ، ومَنَعه العلائق عن الفوزِ بسلوك هذا الطَّور، حتَّى يَعُمَّ ذلك خَلْقًا كَثيرًا، ويكون ذلك في النُّفُوس مِنْ أَعْظَمِ الهدايا موقعًا، وَتَأثرًا هذا بعدما يقتات (١) به أهل المدينة الشَّريفة ومَنْ حولهم من الأعراب ينالُونَ مِنْهُ من أول الإبلاحِ والإزْهاءِ إلى آخِرِ الإثمار (٢) والإرطاب وهذه بركة ظاهِرةٌ في الحِسِّ والعيان، ومُعْجِزَةٌ باقِيةٌ على مَرِّ الأزمانِ والأحيان.

ومن بركاتها سُهُولة القناعَةِ بِها والتَمَرِّي باليَسِيرِ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ والملابسِ والثِّيَابِ وجَمِيعِ ما يُحتاج إليه مِنْ أُمُورِ المعاشِ، ويكونُ به الارتفاقُ والانتعاش، وذَلِكَ بِبَرَكةِ دعاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الزُّبير بن بكار بِسَنده إلى إسماعيل بن النعمان قال: دعا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لِنَعَمٍ كانت تَرْعى بالمدينَةِ، فقال: "اللهُمَّ اجْعل نِصْفَ أكْرَاشِها مِثْلَ مَلْئِها في غَيْرِها مِنَ البلادِ" (٣) فَقُبِلَتْ دَعْوَتُهُ - صلى الله عليه وسلم -، وتعدَّت إلى سائِر سُكَّانِها. وذلك أَمْرٌ مَحْسُوسٌ مُشَاهَدٌ؛ يَأتي الرَّجُلُ المُترَفُ المُعْتَادُ بالإكْثارِ مِنَ المَآكلِ والمطاعم الشَّهِيَّةِ فَيَسْكُنُ المدينة فيَعُودُ بعد قليل إلى حالةٍ تسلب منه جَميعَ تِلْكَ العاداتِ والأخلاقِ، ويَقْتَنِعُ فيها مِنَ العَيْشِ باليَسِيرِ مِنَ الطعامِ، وَهُوَ في ذَلِكَ غَيْرُ مَضْنُوكٍ ولا مُضَامٍ.

المَحْفُوظَةُ: سُمِّيَتْ بِها لأنَّ الله تعالى حَفِظَهَا وَصَانَها، وزَيَّن بيانع الخَيْراتِ والبركاتِ أَغْصَانَها. وفي حَدِيثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "القُرى المحفوظَة أَرْبعٌ؛


(١) في الأصل: (يقتاب)، وهو تصحيف.
(٢) كلمة غير واضحة في الأصل وما أثبتناه أقرب للرسم والمعنى.
(٣) لم أقف عليه.