للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فلمَّا كانت المدينَةُ مَحَلَّ رحماتِ أَرْحَمِ الرَّاحمين، ومَقَرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أَرْسَلَهُ الله رَحْمَةً للعالمين، وَمَوْطِنَ من بَشَّرَهم الله بِرَحْمَتِهِ، وخَصَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ في الغابِرِين، وكانت القَرْيَةُ تقري (١) المواهب الإلهية مخطومة (٢) مَمْلُوءة، وسَنِيَّاتُ العَطِيَّات مَحْشوَّة مَرْحُومَة، وشُرور أهل الطغيانِ والعُدْوانِ بِعَيْنِ عِنَايَةِ الرَّحمن عنها مَصْرُوفَة مَدْفُوعَة، ناسَبَ أن تُدْعَى من بَيْن سائر البُلدَانِ بالمرحومة.

المَحْبُورَةُ: هذا الاسم مُشْتَقٌ مِنَ الحَبْرِ، بالفَتْحِ وَهُو السُّرُورُ وكذلِكَ الحَبْرَةُ والحَبَرُ بالتَّحْرِيكِ، والحُبُورُ كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى، وهو الفَرَحُ والمَسَرَّة، ومن الحَبْرِ والحَبْرَةِ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ، والحُبْرُةُ أيضًا: السَّماعُ في الجَنَّةِ، وكُلُّ نِعْمَةٍ حَسَنَةٍ، والحَبْرَةُ أيضًا: المبالَغَةُ فيما وُصِف بِجَمِيلٍ (٣).

والمِحْبارُ من الأرْضِ السريعة النبات، وَحَبِرَتِ الأرْضُ كَفَرِحَتْ، وَأَحْبَرَتْ أي: كثر نباتُها. وَأَحْبَرَهُ: سرَّهُ وَفَرَّحه، فإنْ ثَبَتَ حَبَّرهُ بمَعْنَى أَحْبَرَهُ فَذَاك، وإلَّا قُدِّر له فِعْلٌ ويَكُونُ بِمَعْنَى المَبْرُورة، أو بمَعْنَى الكثيرَ النِّعمَةِ، أو بِمَعْنَى المَمْدوحَةِ المبالَغِ في مَدْحِها، أو بِمَعْنَى السَّرِيعةِ النَّباتِ، الكَثِيرَةِ الخَيْرَاتِ كما جاء في الحديث أنَّهُ قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: "كيف بِكِ يا عائشِةُ إذا رجع النَّاس المدينة فكانت كالرُّمَّانَةِ المَحْشُوَّة، قالَتْ: فَمِنْ أيْنَ يأكُلُّون يانبي الله؟ قال: يُطْعِمُهم الله تعالى مِنْ فَوْقِهِم، ومن تَحْتِ أَرْجُلِهِم، وَمِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ" (٤).


(١) تقري: تجمع. القاموس (قري) ص ١٣٢٣.
(٢) مخطومة: معلقة بها. القاموس (خطم) ص ١١٠٤.
(٣) القاموس (حبر) ص ٣٧٠.
(٤) رواه ابن زبالة، كما ذكر السمهودي في وفاء الوفا ١/ ١٩١. وابن زبالة: كذبوه. التقريب ٥٨١٥، ص ٤٧٤.