للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكبائر فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله عزّ وجلّ إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنّة يوم القيامة سالمًا غانمًا، غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عفا عنه وعذّبه مدّة بعذاب النار، وإذا عذّبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار" (١).

وقد خالفت في ذلك فرق المعتزلة والخوارج والمرجئة ومن نحا نحوهم وخالفوا نصوص الكتاب والسنّة، حيث أن الخوارج كفّروا مرتكب الكبيرة وأخرجوه من الإيمان وحكموا عليه في الخلود في نار جهنّم، وقد وافقتهم المعتزلة على الخلود في نار جهنم في الآخرة. أما في الدنيا، فقالوا: إنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وإنما هو في منزلة بين المنزلتين. وأمّا المرجئة فقد فتحوا باب شر عظيم وهونوا أمر المعاصي، حيث قالوا: إنه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع من الكفر طاعة"، وعلى هذا فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل نار جهنم، وهذا مبنيّ على إخراجهم العمل من مسمّى الإيمان (٢).

والحقّ ما قاله أهل السنّة والجماعة وأجمعوا عليه، وقد حكى اتفاق أهل السنّة والجماعة على ذلك الإمام البغوي رحمه الله تعالى، فقال: "اتّفق أهل السنّة على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شيء من الكبائر إذا لم يعتقد إباحتها، وإذا عمل شيئًا منها فمات قبل التوبة لا يخلد في النار، كما جاء به الحديث، بل هو إلى الله إن شاء عفا عنه


(١) عقيدة أصحاب الحديث للإمام الصابوني ضمن الرسائل الكمالية (ص ١٠٣، ١٠٤).
(٢) انظر كتاب الإيمان لأبي عبيد (ص ٩٩ - ١٠٢)، والتمهيد لابن عبد البر (٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣)، والإيمان لابن تيمية (ص ٢٠٢)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص ٤١٧).

<<  <   >  >>