وقد «١» كنّا أغزينا الجهة الغربية من المسلمين بمدينة «٢» برغة «٣» التي سدّت بين القاعدتين؛ رندة ومالقة «٤» الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن تسيغا «٥» الرّيق، فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام، إلّا «٦» في الأحلام، ولا رسالة إلّا في أجنحة هديّ الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور، وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزرع والضّرع خيرة، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه.
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة «٧» ، على بعد المدى، وتغلغلها في «٨» بلاد العدا، واقتحام هول الفلا «٩» وغول الرّدى، مدينة تبنّتها «١٠» حمص فأوسعت الدّار، وأغلت الشّوار، وراعت الاستكثار، وبسطت الاعتمار، رجّح إلينا قصدها على البعد، والطريق الجعد، ما أشقت «١١» به المسلمين، من استئصال طائفة من أسراهم مرّوا بها آمنين، وبطائرها «١٢» المشؤوم متيمّنين، قد أنهكهم الاعتقال، والقيود الثّقال، وأضرعهم الإسار، وجلّلهم الانكسار، فجدّلوهم في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد، وترة «١٣» الماجد، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى، فصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل لما «١٤» جنّ الليل «١٥» ، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار١»
، وأخذها الدّمار، ومحقت من مصانعها البيض «١٧» الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهليها «١٨» الضّلوع الحرار «١٩» ، وسلّطت على هياكلها النار، واستولى على الآلاف «٢٠» العديدة من سبيها الإسار، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار، فجلّل وجوه من بها من