الفرات ركاياها، وغشّينا بالصّفيح المضاعف أبوابها، واحتسبنا عند موفيّ الأجور ثوابها، وبيّضنا بناصع الكلس أثوابها، فهي اليوم توهم حسّ «١» العيان، أنها قطع من بيض العنان، تكاد تناول قرص البدر بالبنان، متكفّلة للمؤمن من فزع «٢» الدنيا والآخرة بالأمان. وأقرضنا الله قرضا، وأوسعنا مدوّنة الجيش عرضا، وفرضنا أنصافه مع الأهلّة فرضا، واستندنا من التوكّل على الله الغنيّ الحميد إلى ظلّ لواء، ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء، وقلنا: ربّ «٣» أنت العزيز، وكلّ جبّار لعزّك ذليل، وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل، أنت الكافي، ووعدك الوعد الوافي، فأفض علينا مدارع الصابرين، واكتبنا من الفائزين، بحظوظ رضاك الظافرين، وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
فتحرّكنا أولى الحركات، وفاتحة مصحف البركات، في خفّ من الحشود، واقتصار على من «٤» بحضرتنا من العساكر المظفّرة والجنود، إلى حصن أشر «٥» البازي «٦» المطلّ، وركاب العدو الضّالّ المضلّ، ومهدي نفثات الصّلّ، على امتناعه وارتفاعه، وسموّ «٧» يفاعه، وما بذل العدوّ فيه من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده. فصلينا «٨» بنفسنا ناره، وزاحمنا عليه الشّهداء نصابر أواره، ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلامده «٩» الملمومة وأحجاره، حتى فرعنا بحول «١٠» من لا حول ولا قوة إلّا به أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن البلاد والعباد «١١» أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن السّهلة «١٢» جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحنّاه رابطة وحامية، وأزوادا «١٣» نامية، وعملنا بيدنا في رمّ ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسابقة «١٤» الرجال، واقتدينا بنبيّنا صلوات الله وسلامه عليه في الخندق لمّا حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال «١٥» ، وما كان ليقرّ الإسلام مع تركه القرار، وقد كتب الجوار، وتداعى الدّعرة وتعاوى الشّرار.