للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَلَوْبهنَّ ولم تَبْرحنَ شَاخصَةً … يَنْظُرنَ من أيْنَ يأتي الطَّارِقُ السَّارِي

فأخْطَأَ فيهِ، فقُلتُ: أخْطأتَ وَيْلكَ! ثمّ تَغَنَّى صَوْتًا ثالثًا من الكَامِل، شِعْرهُ لكُثَيِّر (١) والغِنَاءُ لمَعْبَد، وهو: [من الكامل]

إنِّي اسْتَحَيتُكَ أنْ أقُوْلَ (a) بحاجَتي … فإذا قَرَأْتَ صَحِيْفَتي فتَفَهَّمِ

وعَليْكَ عَهْدُ اللهِ إنْ أنْبَأتَهُ … أحَدًا ولا أظهَرْتَهُ بتَكَلُّمِ

فأخْطَأَ فيهِ فقُلتُ: أخْطأتَ ويْلكَ! فغَضِبَ وقال: يا إسْحاقُ، يأمُركَ الأَمِير بالبُكُور فتأتي ظُهْرًا، وتغنَّيْتُ أصْوَاتًا كُلّها يُحِبُّها ويَطْرَبُ لها فخطَّأتَني فيها، وتَزْعم أنَّك لا تَضْربُ بالعُوْدِ إلَّا بينَ يَدَيّ خَلِيفَةٍ أو وَليِّ عَهْدٍ، ولو قال لكَ بعضُ البَرَامِكَة مثل ذلك لبَكًّرْتَ وضَرَبْتَ وغَنَّيْتَ، فقُلتُ: ما ظَنَنْتُ أنَّ هذا يَجْتَرئُ عليَّ (b)، وواللهِ ما أُبْدِيهِ انْتِقَاصًا لمَجْلِس الأَمِير أعَزَّهُ اللهُ، ولكن اسْمَعْ يا جَاهِل، ثمّ أقْبلْتُ على ابن هِشَام فقُلتُ: دَعَاني -أصْلَحِ اللهُ الأَمِيرَ- يَحْيَى بن خَالِدٍ يَوْمًا وقال لي: بَكِّر فإنِّي على الصَّبُوحِ، وقد كُنْتُ يَوْمئذٍ في دَارٍ بأُجْرَةٍ، فجاءَني من اللَّيْل صَاحِبُ الدَّارِ، فأزْعَجَني إزْعاجًا شَدِيْدًا، فجَرَتْ منِّي يَمِينٌ غَلِيْظَةٌ أنِّي ما أُصْبحُ حتَّى أتَحَوَّل، فلمَّا أصْبَحْتُ خرجْتُ أنا وغِلْمَانىِ حتَّى اكْتَرَيْتُ مَنْزِلًا وتحوَّلْتُ، ثُمّ صرْتُ إلى يَحْيَى وَقْتَ الظُّهْر، فقال لي: أينَ كُنْتَ إلى السَّاعَة؟ فحدَّثْتُهُ بقصِّتي، فقَعَدْنا على شَرَابنا (c) وأخَذْنا في غِنَائنا، فلم ألْبَثْ أنْ دَعَا يَحْيَى بدوَاةٍ وقِرْطاسٍ فوقَّع شيئًا لم أَدْرِ ما هو، ثمّ دَفَع الرُّقْعَةَ إلى جَعْفَر فوقَّع فيها شيئًا ودفَعَها إليَّ، فإنِّي لأَنْظُرُ فيهِا ولم أدْر ما تَضَمَّنَتْ إذ أخَذَها الفَضْلُ من يَدي فوقَّع فيها شيئًا


(a) الجريري: إني لأستحي أن أبوح، ديوان ابن هرمة: أن أفوه.
(b) الجريري: هذا يجري.
(c) الجريري: شربنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>