للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخْبَر بالشِّعْر لمَنْ هو، ونَسَبَ الصَّوْتَ، وذَكَرَ جميعَ مَنْ تَغَنَّى فيه، وخَبَرًا إنْ كان له خبرٌ، حتَّى كُتِبَ ذلك كُلُّه وِحُفِظ. ثمّ دَعَوا إسْحاق بعد مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وضَرَبُوا ستَارةً، وأمَرُوا مَنْ خَلْفَها أنْ يُغَنَّين مثْلما كُنَّ غَنَّينَ به ذلك اليوم، فَفَعَلْنَ وابتدأ إسْحاق يَتَكلَّم في الغِنَاء بمثْل ما كان تكلَّم به ما خرَم حَرْفًا. قال: فعَلمُوا وعَلِمَ النَّاسُ أنَّهُ لا يقول إلَّا صَوَابًا وحَقًّا، وعَجِبُوا منهُ.

وقال (١): قَرَأتُ على الحَسَن بن عليّ الجْوهَرِيّ، عن أبي عُبَيْدِ الله المَرْزُبانيّ، قال: أخْبَرَني يُوسُف بن يَحْيَى بن عليّ المُنَجِّم، عن أَبِيهِ، قال: أخْبَرَني أحْمَدُ بن القَاسِم الهاشِميّ، عن إسْحاق بن إبْراهيم، قال: دعَاني المَأْمُونُ وعندهُ إبْراهيم بن المَهْدِيّ، وفي مَجْلِسه عشرون جَارِيَةً قد أقْعَدَ عَشْرًا عن يَمِيْنه، وعَشْرًا عنٍ يَسَاره، معهُنَّ العِيْدَانُ يَضْرِبْنَ بها، فلمَّا دَخَلْتُ سَمِعْتُ من النَّاحِيَةِ اليُسْرى خَطَأ فأنْكَرتُهُ، فقال المَأْمُون: يا إسْحاقُ، أتَسْمَعُ خَطَأً؟ قُلتُ: نَعَم يا أَمِيرَ المُؤمِنِين، فقال لإبْراهيم ابن المَهْدِيّ: هل تَسْمَع خَطأً؟ قال: لا. فأعَادَ عليَّ السُّؤَالَ، فقُلتُ: بَلَى واللهِ يا أَمِير المُؤمِنِين، وإنّهُ لَفِي الجَانِب الأَيْسَر، فأعَاد إبْراهيم سَمْعَه إلى النَّاحِيَة اليُسْرى، ثمّ قال: لا واللهِ يا أَمِير المُؤمِنِين ما في هذه النَّاحِيَة خَطَأٌ، فقُلتُ: يا أَمِير المُؤمِنِين، مُرِ الجَوَارِي اللَّواتي على المَيْمَنَةِ أنْ يُمْسِكنَ، فأمَرَهُنَّ فأمْسَكنَ، ثُمَّ قُلْتُ لإبْراهيم: هل تَسْمَعُ خَطَأَ؟ فتَسَمَّعَ ثمّ قال: ما ها هنا خَطَأٌ، فقُلتُ: يا أَمِير المُؤمِنِينَ، يُمْسِكْنَ وتَضْربُ الثَّامنَةُ، فأمْسَكْن وضَرَبت الثَّامنةُ، فعرفَ إبْراهيم الخَطَأ، فقال: نعم يا أَمِير المُؤمِنِين، ها هُنا خَطَأٌ، فقال عند ذلك المَأْمُونُ: يا إبْراهيمُ، لا تُمَارِ إسْحاقَ بعد اليَوْم؛ فإنَّ رَجُلًا فَهِمَ الخَطَأ بين ثمانين وَتَرًا، وعشرين حَلْقًا، لجَدِيرٌ بألَّا تُماريه، فقال: صَدَقْتَ يا أَمِيرَ المُؤمِنِين.


(١) تاريخ بغداد ٧: ٣٦٠ - ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>