أنْشَدَنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني صَلاح الدِّين الإرْبِليّ لنَفْسِه، وذَكَرَ أنَّهُ أوْصَى بأنْ يُكْتب البَيْتان على قَبْره رَحِمَهُ اللهُ (١): [من الكامل]
يا رَبّ عَبْدُكَ جاء رَهْن ذنُوبه … مُتَرجِّيًا من عَفْوكم للجُوْدِ
فشِمالُهُ في شَعْر شَيْبَة وَجْهِهِ … ويَمِيْنُه في عُرْوَة التَّوْحِيدِ
قال القُوصِيّ: وهذا الأَمِير صَلاح الدِّين الإرْبليّ، رَحِمَهُ اللهُ، كان فَاضِلًا، مُجِيْدًا لشِعْره ودُوْبَيتاتِه، مُفِيْدًا في مُحَاضَرَاته ومُذَاكَرَاته، وصَحِبَ المَلِك المُغِيْث مُدًّةً طَوِيلَةً، وكانت صُحْبَتُه له بإرْبِل ودِمَشْق صُحْبَة جَمِيلة. ثمّ خَدم الدَّوْلَة المَلكِيَّة الكَامِليَّة، فحصَل له فيها المال الوَافرُ، والجاه الحَسَن، وكَفر دَهْرُه في آخر وَقْته بحَسَنات المِنَح ما جناهُ عليه من سيئَات المحَن، وتُوفِّيَ في الشَّرْق في العَسْكَر الكَامِليّ في شُهُور سَنَة إحْدَى وثَلاثين وستِّمائة، ودُفِنَ بالرُّهَا، ثمّ نُقِلَ إلى قَرَافَة مِصْر.
وقال لي ابن بُنَيْمان (a): إنَّهُ تُوفِّي بالرُّهَا في سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثين وستِّمائة، وكان قد مَرض بالسُّوَيْدَاء فنُقِلَ في مِحَفَّة، فماتَ بالرُّهَا ودُفِنَ بها (٢).
أنْبَأنَا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْدِ القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْر
(a) مهملة في الأصل، وتقدم التعليق عليه في الجزء الأول من هذا الكتاب.