أن نقارن نطق طفل بنطق أبويه، يعني أن نعتبر فردا واحدا منعزلا في كل جيل. لأن التغير الوحيد الذي يعتبر في عين العالم اللغوي هو التغير الذي يظهر في كلام مجموعة من الأفراد.
التغيرات اللغوية تنتج على وجه الخصوص في الانتقال من جيل إلى جيل آخر. ولكن لا بد من التفرقة بين التغيرات الفردية والتغيرات المشتركة بين جميع الأطفال في نفس الجيل. فقد يحدث أن أحد الأطفال لا يستطيع النطق ببعض الأصوات نتيجة لاستعداد خبيث موروث، أي أن يكون عنده بعبارة أخرى نقص في النطق. هذه الحالات من النقص الفردي، في غالب الأحيان، لا تعنى غير الطبيب. وغاية ما يعني العالم اللغوي من أمرها أنه قد يستدل بها على اتجاهات اللغة. فأحيانا لا تكون هذه الأنواع من النقص في الواقع إلا مبالغة في ميل طبيعي. وفي هذه الحال يكون شأنها الأعراض من حيث إنها تعلن عن نقط الضعف في النظام، فهي ترينا في أي مكان تنهار المقاومة وفي أي اتجاه تهدد بعض الاتجاهات الجديدة أن تجر إليها اللغة. ولكن هذه الحال تتطلب من العالم اللغوي أشد الحذر ويمكن بوجه عام أن تتركه خارج دائرة البحث، فللتعرف على وجود أي اتجاه يجب أن تشمل الدراسة أكثر من فرد.
ساد شطرا طويلا من الزمن الاعتقاد بأن كل تغير صوتي إنما يصدر عن الفرد وأنه لم يكن إلا تغيرا فرديا ثم عمم. وهذا إدراك للأشياء غير صحيح. فليس في وسع أن فرد أن يفرض على جيرانه نطقا تنبو عنه فطرتهم، وليس هناك من قسر جدير بتعميم تغير صوتي. فلأجل أن يصير تغير ما قاعدة لمجموعة اجتماعية، يجب أن يكون لدى كل أفراد هذه المجموعة ميل طبيعي لتحقيقه من تلقاء أنفسهم١. بل إن سلطان المحاكاة نفسه لا يقدر هنا على شيء. فإن النطق الشاذ لا يجلب أتباعا لصاحبه، بل لا يجلب له بوجه عام إلا السخرية منه.
قد يعترض معترض بتأثير الجدة ذلك التأثير الذي لا يمكن إنكاره في بعض الحالات. فكلنا نعرف أن المجتمع الراقي في عهد حكومة الديركتوار كان يعمد
١ مييه: رقم ٩ ج ١ ص٣١١، وج ٢ ص٨٦٠، ورقم ٢ ج ٩ ص٥٩٥.