الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر وليست تلك كذلك؛ لأن الاستفهام معها
ــ
يستلزم انتفاء تعظيم المتهكم به, والتعجب يستلزم انتفاء علم سبب الشيء المتعجب منه؛ ولهذا يقولون إذا ظهر السبب بطل العجب.
والاستبطاء يستلزم انتفاء المبادرة وللأمر نحو:{أَأَسْلَمْتُمْ}[آل عمران: ٢٠] ، أي: أسلموا وللتهديد كقولك لمن يسيء إليك وهو يعلم أنك أدبت فلانًا على إساءته إليك وأنت تعلم علمه بذلك: ألم أؤدب فلانًا على إساءته إليّ, وللتقرير بمعنى طلب إقرار المخاطب بما يعرفه من نفي أو إثبات, ولا يشترط أن يلي الهمزة كما صرح به غير واحد كالتفتازاني نحو:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ}[المائدة: ١١٦] ، ونحو:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر: ٣٦] ، على احتمال وإنما لم يورد بعد الهمزة في الآيتين نفس المقرر به دفعًا لتهمة تلقين المتكلم للمخاطب الجواب المقرر به والجامع بين الاستفهام والمعاني الثلاثة مطلق الطلب, فإن الاستفهام طلب فهم المسئول عنه, والأمر طلب إيقاع المأمور به والتهديد يستلزم طلب ترك الشيء المهدد عليه والتقرير السابق طلب الإقرار، وللتقرير بمعنى التثبيت والتحقيق نحو: أضربت زيدًا أي: إنك ضربته ألبتة, قاله السعد والجامع: ترتب ثبوت الحكم. أما في هذا التقرير فظاهر، وأما في الاستفهام؛ فلأنه يترتب عليه الجواب المترتب عليه الثبوت، فعلم أن للتقرير معنيين لكن استعماله في الثاني قليل بالنسبة للأول كما أشار إليه في شرح التلخيص، ولغير ذلك وهل تشارك الهمزة في الإنكار الإبطالي نحو:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}[فاطر: ٣] ، والتقرير نحو:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ}[المطففين: ٣٦] ، {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}[الفجر: ٥] ، والأمر نحو:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة: ٩١] ، هذا هو الصحيح على ما يؤخذ من حاشية السيوطي على المغني لكن في المغني في بحث هل أنها تختص عن الهمزة بأن يراد بها النفي ولهذا جاز: هل قام إلا زيد دون أقام إلا زيد ولا ترد الهمزة في نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}[الإسراء: ٤٠] ، من حيث إن الواقع انتفاء الاصفاء؛ لأنها للإنكار على مدعي الإصفاء, ويلزم منه النفي لا أنها للنفي ابتداء. وقد يكون الإنكار توبيخيا بمعنى ما كان ينبغي فعل كذا فيقتضي وقوع الفعل. فتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه: إنكار على مدعي وقوع الشيء ويلزمه النفي, وإنكار على من أوقع الشيء ويختصان بالهمزة, وإنكار وقوع الشيء, وهذا معنى النفي وتختص به هل عن الهمزة ا. هـ. باختصار.
وربما استعير لهذه المعاني غير الهمزة, وهل من أسماء الاستفهام كالتوبيخ والتعجب في:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}[البقرة: ٢٨] ، والإبطال في:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: ١٣٥] ، والتقرير في {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قرره ليقول: {هِيَ عَصَايَ} نقله السيوطي عن أبي البقاء. وما ذكرته من توجيه الاستعارة في المعاني المذكورة هو ما ظهر لي فاعرفه. وفي شرح المغني للدماميني أن استفهام العارف المتجاهل حقيقي بحسب الادعاء. قوله:"وإن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب إلخ" يعني أن جملة: سواء عليّ أقمت أم قعدت, وجملة: لست أبالي أمات زيد أم عاش ونحوهما يقبل التصديق والتكذيب؛ لأنه خبر بخلاف جملة: أزيد قائم أم عمرو