تنبيهان: الأول تسمى أم في هذين الحالين متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. وتسمى أيضًا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا؛ لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن
ــ
الاسمية والفعلية كما قاله الدماميني.
قوله:"متصلة" قال في الهمع: ويؤخر المنفي فيها بنوعيها فلا يجوز: سواء عليّ ألم يجىء زيد أم جاء ولا ألم يقم أم قام. قوله:"لا يستغنى بأحدهما عن الآخر" أما في الحال الأول؛ فلأن المقصود الإخبار بالتسوية, وهي لا تتحقق إلا بينهما, وأما في الثاني؛ فلأن المقصود طلب تعيين أحد الأمرين, فلا بد من ذكرهما. وقيل إنما سميت بذلك؛ لأنها اتصلت بالهمزة حتى صارتا في إفادة المقصود بمثابة كلمة واحدة؛ لأنهما جميعًا بمعنى أي. ورجح هذا على الأول بأن الاتصال عليه راجع إلى أم نفسها وعلى الأول راجع إلى متعاطفيها, وعورض بأن الثاني إنما يأتي في أم المسبوقة بهمزة الاستفهام لا المسبوقة بهمزة التسوية, فيترجح الأول لشموله النوعين وعليه اقتصر في المغني أفاده في التصريح.
قوله:"في إفادة التسوية" أي: في جملة إفادة التسوية أي: في الجملة التي تفيد التسوية, ومعنى معادلتها للهمزة في هذه الجملة أنه يليها عديل ما يلي الهمزة فاندفع بتقرير عبارته على هذا الوجه ما توهمه من أن كلا من الهمزة وأم له دخل في إفادة التسوية فتدبر.
قوله:"في النوع الأول" أي: أم بعد همزة التسوية وقوله في النوع الثاني أي: أم بعد همزة الاستفهام بقرينة قوله أن الواقعة بعد همزة التسوية إلخ. قوله:"ليس على الاستفهام" أي: بل على الإخبار بالتسوية لانسلاخها عن الاستفهام, فهي مجاز بالاستعارة. قال ابن يعيش: وإنما جاز استعارتها للتسوية للاشتراك في معنى التسوية, إذ الأمر: إن اللذان تسأل عن تعيين أحدهما مستويان عندك في عدم التعيين ا. هـ. وكما تستعار الهمزة للتسوية تستعار للإنكار الإبطالي فيكون ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذبًا نحو:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} , ومنه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} , {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؛ لأنها أبطلت ما بعدها من النفي فصارت الجملة خبرية مثبتة بمعنى الله كاف عبده وشرحنا لك صدرك لا إنشائية؛ ولهذا صح عطف وضعنا على ألم نشرح ومن جعلها فيهما للتقرير, أراد التقرير بما بعد النفي ويظهر أن الهمزة في ألم نشرح على هذا ليست من المعطوف عليه, وأنها مسلطة على ما بعد العاطف أيضًا وللإنكار التوبيخي فيكون ما بعدها واقعًا أو يقع وفاعله ملومًا نحو:{أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}[النمل: ٨٤] ، {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} وللتهكم نحو: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا}[هود: ٨٧] ، وللتعجب كقولك: أخلص زيد الأسير متعجبًا وللاستبطاء نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ}[الحديد: ١٧] ، والجامع بين الاستفهام والمعاني المذكورة استلزام كل مطلق الانتفاء فإن الاستفهام عن شيء يستلزم انتفاء علمه, والإنكار الإبطالي يستلزم انتفاء وقوع الشيء المنكر والتوبيخي يستلزم انتفاء لياقته والتهكم