للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقل: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١). قال يحيى بن معاذ: العبدُ يوحِشُ فيما بينه وبين سيده بالمخالفات، ولا يُفارق بابه بحالٍ؛ لعلمه بأنَّ عِزَّ العبيد. في ظِلِّ مواليهم. وأنشأ يقول:

قُرَّةَ عيني لا بدَّ لي (٢) منك وإن … أَوْحَشَ بيني وبينك الزَّلَلُ

قرَّة عيني أنا الغريقُ فخُذْ … كفَّ غريقٍ عليكَ يتَّكِلُ

كانت أحوال الصَّادقين في الموقف بعرفة تتنوَّع؛ فمنهم من كان يغلِبُ عليه الخوفُ أو الحياءُ. وقف مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، وبكر المزني، بِعَرَفَة، فقال أحدُهما: اللهم، لا تردَّ أهلَ الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفَهُ مِن مَوْقفٍ وأرجَاهُ لأهله، لولا أنِّي فيهم! وقف الفُضيل بعرفة والناسُ يدعون وهو يبكي بكاء الثَّكْلَى المحترِقة، قد حال البكاءُ بينه وبين الدعاء، فلمَّا كادت الشمس أن تغربَ رفَعَ رأسَه إلى السماء، وقال: واسوءتاه منكَ وإن عفوتَ (٣)!. وقال الفُضَيل أيضًا لشعيب بن حرب بالموسم: إن كنتَ تظنُّ أنَّه شهدَ الموقفَ أحدٌ شرًّا منِّي ومنك فبئس ما ظننت. دعا بعضُ العارفين بعرفة، فقال: اللهم، إن كنتَ لم تقبَلْ حجِّي وتعبِي ونَصَبِي فلا تحرمني أجْرَ المصيبة على تركك القبولَ منِّي. وقَفَ بعضُ الخائفين بعرفة إلى أن قرب غُروب الشمس، فنادى: الأمانَ الأمانَ، قد دنا الانصراف، فليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين!

وإنِّي مِن خَوفِكُم والرَّجا … أَرَى الموْتَ والعيشَ فيكم عِيانا

فَمُنُّوا على تائبٍ خائفٍ … أتاكُم يُنادِي الأمانَ الأَمانا

إذا طلبَ الأسيرُ الأمانَ من الملكِ الكريم أمَّنَه.

الأمان الأمانَ وِزْرِي ثَقيلُ … وَذُنُوبي إذا عُدِدْن (٤) تطُولُ

أوبقتْنِي وأوثقتْنِي ذنُوبي … فترَى لي إلى الخلاص سبيلُ؟


(١) سورة الأعراف الآية ٢٣.
(٢) لفظ "لي" لم يرد في ب.
(٣) في آ، ش: "غفرت".
(٤) في آ، ش، ع: "عددت".

<<  <   >  >>