للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَلْخ، فسأل عنه حتى وقع عليه، فسأله عن حاله، فذكر أنَّه كان مدمنًا لشرب الخمر، فجاء ليلةً وهو سكران، فعاتبتْه أمُّهُ وهي تسجُرُ تنورًا، فاحتمَلَها فألقاها فيه حتى احترقت.

يا مَن يطمَعُ في العتق من النار ثم يمنعُ نفسَه الرحمةَ بالإصرار على كبائر الإثم والأوزار! تاللهِ ما نصحْتَ نفسَكَ، ولا وقَفَ في طريقك غيرُك، توبقُ (١) نفسَك بالمعاصي، فإذا حُرمت المغفرةَ قلْتَ أنَّى هذا؟ قُلْ هو من عند أنفسكم.

فنفسَكَ لُمْ ولا تَلُمِ المطَايا … ومُتْ كَمَدًا فليسَ لَكَ اعْتِذارُ

إن كنت تطمع في العِتق فاشْتر نفسَكَ من الله، فـ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (٢). مَن كَرُمَتْ عليه نفسُه هان عليه كُلُّ ما يبذُل في افتكاكِها من النار.

اشترى بعضُ السَّلف نفسَه مِن الله ثلاث مرار أو أربعًا؛ يتصدَّق كُلَّ مرَّةٍ بوزن نفسِه فضة.

واشترى عامر بن عبد الله بن الزبير (٣) نفسَه من الله بديته ستَ (٤) مرات تصدَّق بها. واشترى حبيب العجمي نفسَه من الله بأربعين ألف درهم تصدَّق بها. وكان أبو هريرة يسبِّح كُلَّ يومٍ اثنتي عشر ألف تسبيحة بقدر دِيته يَفْتَكُّ بذلك نفسَه.

بِدَمِ المحبِّ يُباعُ وصلُهُمُ … فَمَن الذي يَبتاع في الثمن

من عرف ما يطلُب هان عليه كُلُّ ما يبذُل. ويحك! قد رضينا منك في فكاك نفسِك بالنَّدم، وقنعنا منك في ثمنها بالتوبة والحزن. وفي هذا الموسم قد رخُصَ السِّعر، من ملَكَ سمعَه وبصرَه ولسانَه غُفِرَ له. مُدَّ إليه يدَ الاعتذار، وقُمْ على بابه بالذُّلِّ والانكسار، وارفع قصَّةَ ندمِك مرقومةً على صحيفةِ خدِّك بمداد الدُّموع الغِزار،


(١) في آ: "توثق".
(٢) سورة التوبة الآية ١١١.
(٣) عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو الحارث الأسدي المدني، أحد العبَّاد. ثقة، مات سنة ١٢٤ هـ. (صفة الصفوة ٢/ ١٣٠، سير أعلام النبلاء ٥/ ٢١٩).
(٤) في صفة الصفوة: "بتسع ديات".

<<  <   >  >>