للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان، فمن عجَّلَ زكاتَه قبْلَ الحَوْلِ أجزأه عندَ جُمهورِ العلماءِ. وسواء (١) كان تعجيلُه لاغتنام زمانٍ فاضلٍ، أو لاغتنام الصَّدقَةِ على مَن لا يجدُ مثلَه في الحاجة، أو كان لمشقةِ إخراج الزَّكاة عليه عند تمَامِ الحولِ جُملةً، فيكونُ التفريقُ في طولِ الحَوْلِ أوفقَ بهِ. وقد صرَّح مجاهد بجوازِ التعجيلِ على هذا الوجه، وهو مقتضَى إطلاقِ الأكثَرِينَ، وخالفَ في هذه الصورةِ إسحاقُ (٢)، نقلَهُ عنه ابنُ منصور (٣). وأما إذا حال الحَوْلُ فليس له التأخيرُ بعدَ ذلك عند الأكثرينَ.

وعن أحمدَ يجوزُ تأخيرُها؛ لانتظارِ قومٍ لا يجدُ مثلَهم في الحاجة.

وأجازَ مالك وأحمدُ في روايةٍ نَقْلَها إلى بلدٍ فاضلٍ، فعلى قياسِ هذا لا يبعدُ جوازُ تأخيرِها إلى زمنٍ فاضلٍ لا يُوجد مثلُه، كرمضانَ ونحوِه. ورَوَى يزيدُ الرَّقاشيُّ عن أنس أنَّ المسلمين كانوا يُخرجون زكاتَهم في شعبانَ تقوية على الاستعدادِ لرمضانَ، وفي الإِسنادِ ضعفٌ.

وأما الاعتمارُ في رجب فقد رَوى ابنُ عُمَرَ، رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمَرَ في رجب (٤)، فأنكرَتْ ذلك عائشةُ عليه، وهو يسمَعُ، فسكَتَ. واستحبَّ الاعتمارَ في رجب عمرُ بن الخطاب وغيرُه. وكانت عائشةُ تفعَلُه وابنُ عُمَرَ أيضًا. ونقلَ ابنُ سيرين عن السَّلفِ أنَّهم كانوا يفعلونه.

فإنَّ أفضَلَ الأنساكِ (٥) أن يُؤتى بالحجِّ في سفرةٍ، والعمرةِ في سفرةٍ أخرى في


(١) في آ "سواء" بغير واو.
(٢) هو إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد، المعروف بابن راهويه، نزيل نيسابور، عالم خراسان في عصره، وأحد أئمة المسلمين، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصِّدق والورع والزهد. مات سنة ٢٣٨ هـ. (تهذيب الكمال ٢/ ٣٧٣ - ٣٨٨).
(٣) هو إسحاق بن منصور بن بَهْرام الكَوْسج، نزيل نيسابور. قال أبو بكر الخطيب: كان فقيهًا عالمًا، وهو الذي دوّن عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه المسائل في الفقه، مات سنة ٢٥١ هـ. (تاريخ بغداد ٦/ ٣٦٤، تهذيب الكمال ٢/ ٤٧٤).
(٤) أخرجه أحمد في "المسند" ٢/ ٧٣ وابن ماجه رقم (٢٩٩٨) في المناسك: باب العمرة في رجب. وروى الشيخان معناه من طريق منصور عن مجاهد. وعند ابن ماجه عن عروة، قال: سئل ابن عمر: في أي شهر اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: في رجب. فقالت عائشة: ما اعتمر رسول اللّه في رجب قطُّ، وما اعتمر إلا وهو معه (تعني ابن عمر).
(٥) الأنساك: كالمناسك، جمع منسك، بفتح السين وكسرها، وهو المتعبَّد. وفي حديث عمر رضي الله عنه:
• ويأسُها يُعَدّ من أنساكها •
هكذا جاء في رواية، أي متعبَّداتها. (النهاية ٥/ ٤٨).

<<  <   >  >>