للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحقِّ والباطل، وأظهَرَ الحقَّ وأهلَهُ على الباطل وحِزْبِهِ، وعلَتْ كلمةُ الله وتوحيدُه، وَذُلَّ أعداؤه مِن المشركين وأهلِ الكِتاب، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدِم المدينةَ في ربيع الأول في أوَّل سنةٍ من سني الهجرة، ولم يُفرَضْ رمضان في ذلك العام. ثم صام عاشوراء، وفُرِضَ عليه رمضانُ في ثاني سنةٍ. فهو أوَّل رمضانٍ صامَهُ وصامَه المسلمون معه.

ثم خرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لطلب عِيرٍ (١) من قريش قدِمَتْ مِن الشام إلى المدينة في يوم السبت لاثنتي عشرَةَ ليلةً خلَت من رمضانَ، وأفطَرَ - صلى الله عليه وسلم - في خروجه إليها.

قال ابن المُسَيِّب (٢): قال عُمر: غزونا مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غزوتين في رمضانَ يومَ بدْرٍ، ويومَ الفتح، وأفطرنا فيهما. وكان سببُ خروجه حاجةَ أصحابه، خصوصًا المهاجرين (٣) {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (٤). وكانت هذه العِيرُ فيها أموالٌ كثيرة لأعدائهم الكفار الذين (٥) أخرجوهم من ديارهم وأموالهم ظُلمًا وعُدوانًا، كما قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} (٦). فقصَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ أموالَ هؤلاء الكفّار (٧) الظالمين المعتدين على أولياء الله وحزبه وجنده، فيردَّها على أولياء الله وحزبه المظلومين المخرَجين من ديارهم وأموالهم ليتقوّوا بها على عبادَةِ اللهِ وطاعَته وجهادِ أعدائه. وهذا ممَّا أحلَّه الله لهذه الأمَّة؛ فإنَّه أَحَلَّ لهم الغنائم، ولم تحلَّ لأحدٍ قبلَهم. وكان عِدَّةُ مَن مَعَهُ ثلثمائة وبضعةَ عشَرَ، وكانوا على عدَّةِ أصحابِ طالُوتَ الذين جازوا معه النهر، وما جازَه معه إلَّا مؤمنٌ.


(١) في ب، ع: "عير قريش"، وفي ش: "عير لقريش".
(٢) هو سعيد بن المسيّب بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد، سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع. وكان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، حتى سمِّي راوية عمر، توفي بالمدينة سنة ٩٤ هـ.
(٣) في ب، ش، ع: "المهاجرون" بالرفع، وكلاهما جائز.
(٤) سورة الحشر الآية ٨.
(٥) في آ: "الذين أخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا".
(٦) سورة الحج الآية ٣٩ و ٤٠.
(٧) لفظ "الكفار" لم يرد في ب، ط.

<<  <   >  >>