للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذا النصف، وهما ليلتان: ليلةُ سبعَ عشرَةَ، وليلةُ تسعَ عشرَةَ.

أمَّا الأوَّلُ: فخرَّجه الطبراني (١) من حديث عبد الله بن أُنَيسٍ، أنه سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن ليلةِ القدر، فقال: "رأيتُها ونسِيتُها (٢)، فتحَرَّها في النِّصْف الأواخر. ثم عاد فسأله، فقال: التمسْها في ليلةِ ثلاثٍ وعشرين تَمضِي مِن الشهر".

ولهذا المعنى - والله أعلم - كان أبيّ بن كَعب يَقنُتُ في الوِتر في ليالي النصف الأواخر؛ لأنَّه يُرجَى فيه ليلة القدر.

وأيضًا فكُلُّ زمانٍ فاضلٍ من ليلٍ أو نهارٍ، فإنّ آخِرَه أفضَلُ من أوَّلِه، كيومِ عَرَفَةَ، ويوم الجُمُعة. وكذلك اللَّيلُ والنَّهار عمومًا؛ آخِرُهُ أفضَلُ من أوَّلهِ. ولذلكَ كانت الصلاةُ الوسطى صلاةَ العَصْر، كما دلَّت الأحاديثُ الصَّحيحةُ عليه، وآثارُ السَّلفِ الكثيرة تدُلُّ عليه. وكذلك عشْرُ ذي الحجة والمحرم؛ آخِرُهُما أفضَلُ من أوَّلهما.

وأمَّا الثاني: ففي "سنن أبي داود" (٣) عن ابن مسعود مرفوعًا: "اطْلُبُوها ليلةَ سبْعَ عشْرَةَ مِن رَمَضانَ، وليلةَ إحدَى وعشرين، وليلَةَ ثلاثٍ وعشرين"، ثم سَكَتَ. وفي روايةٍ: "ليلةَ تسعَ عشْرَةَ". وقيل: إنَّ الصحيح وقْفُه على ابن مسعودٍ، فقد صَحَّ عنه أنَّه قال: تحرُّوا ليلةَ القَدْرِ ليلةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، صباحِيَّةَ (٤) بدْرٍ، أو إحدى وعشرين. وفي روايةٍ عنه، قال: "ليلةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فإنْ لم يكن ففي تسْعَ عَشْرَةَ".


(١) في كنز العمال (٢٤٠٤٥) و (٢٤٠٨٢) و (٢٤٠٨٣) وعزاه إلى الطبراني في الكبير. وقال السيوطي في "الدر" ٦/ ٣٧٣: أخرجه مالك، وابن سعد، وابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، وابن زنجويه، والطحاوي، والبيهقي، عن عبد الله بن أُنَيس أنه سئل عن ليلة القدر، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "التمسوها الليلة" وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين. وروى مسلم في أفراده رقم (١١٦٨) من حديث عبد الله بن أنيس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأراني صُبْحَها أسجد في ماء وطين" قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين.
(٢) في ب: "وأنسِيتها".
(٣) رقم (١٣٨٤) في الصلاة، باب من روى أنها ليلة سبع عشرة. وإسناده حسن، كما في حاشية "جامع الأصول" ٩/ ٢٥٥. قال المُنذري: في سنده حكيم بن سيف، وفيه مقال.
(٤) في آ: "صبيحة"، وفي ش، ع: "صباحة".

<<  <   >  >>