للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسئل الإمام أحمد عمَّا روي عن عُمَرَ كما تقدَّمَ ذِكرُه في السَّريعِ القراءةِ والبطيء؟ فقال: في هذا مشقة على الناس ولا سيّما في هذه الليالي القصار. وإنَّما الأمر على ما يحتمله الناس. وقال أحمد لبعض أصحابه، وكان يصلِّي بهم في رمضان: هؤلاءِ قومٌ ضَعْفى (١)، اِقْرَأْ خَمْسًا، ستًا، سبعًا. قال: فقرأت فختمْتُ ليلةَ سبعٍ وعشرين. وقد رُوي عن الحسن: أن الذي أمرَهُ عُمَرُ أن يُصلِّيَ بالناس كان يقرأ خمْسَ آيات، ستَّ آياتٍ. وكلامُ الإِمام أحمدَ يدلّ على أنه يُراعَى في القراءة حالُ المأمومين، فلا يشقُّ عليهم. وقاله أيضًا غيرُه من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفَةَ وغيرِهم. وقد رُوِي عن أبي ذَرٍّ "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قام بهم لَيْلَةَ ثلاثٍ وعشرين إلى ثُلُثِ الليل، وليلةَ خمسٍ وعشرين إلى نِصْفِ الليل. فقالوا له: لو نَفَّلْتَنا بقيَّة ليلتنا؟ فقال: "إنَّ الرجُلَ إذا صلَّى مَعَ الإِمام حتَّى ينصرِفَ كُتِبَ له بقيَّةُ ليلته". خرَّجَهُ أهلُ السُّنن (٢)، وحسَّنَهُ الترمذِيّ.

وهذا يدلُّ على أن قيامَ ثُلُثِ الليلِ ونِصْفِه يُكتبُ به قيامُ ليلةٍ، لكن مع الإِمام.

وكان الإمام أحمدُ يأخذ بهذا الحديث ويُصلِّي مع الإِمام حتى ينصرِفَ، ولا ينصرِفُ حتى ينصرِفَ الإِمام. وقال بعضُ السَّلفِ: من قام نصفَ الليل فقد قام اللَّيلَ.

وفي سُنن أبي داود (٣)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:


(١) في آ، ع: "ضعفاء". وكلاهما صحيح. ويجمع ضعيف على ضعَفاء وضَعْفَى، وضِعاف، وضَعَفَة، وضَعَافَى.
(٢) من حديث طويل في "جامع الأصول" ٦/ ١٢٠، وقد أخرجه أبو داود رقم (١٣٧٥) في الصلاة: باب في قيام شهر رمضان؛ والترمذي رقم (٨٠٦) في الصوم: باب ما جاء في قيام شهر رمضان؛ والنسائي ٣/ ٨٣، ٨٤ في السهو: باب ثواب من صلَّى مع الإِمام حتى ينصرف، وفي قيام الليل: باب قيام شهر رمضان. إسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ونص الحديث عند أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه، قال: صُمْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضانَ، فلم يَقُمْ بنا حتى بقي سبعٌ من الشهر، فقام بنا حتى ذهَبَ ثلث. الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل. فقلنا له: يا رسولَ الله! نفَّلْتنا بقيَّة ليلتنا هذه. قال: "إنَّه مَنْ قامَ مَعَ الإِمام حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ". ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث ليال من الشهر، فصلَّى بنا في الثالثة، ودعا أهلَه ونساءَه، فقام بنا حتى تخوَّفْنا الفلاح. قلت: وما الفلاحُ؟ قال: السَّحور. ومعنى نَفَّلْتنا: زِدْتَنا، والنافلة: الصلاة الزائدة على الفريضة.
(٣) رقم (١٣٩٨) في الصلاة: باب تحزيب القرآن، وإسناده حسن. وانظر "صحيح الجامع الصغير وزياداته" ص ١٠٩٩.

<<  <   >  >>