للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُسْعى عَلَيْكَ بِما اشْتَهَيْـ … ــتَ لَدى الرَّواحِ وفي البُكورِ

فَإذا النُّفوسُ تَقَعْقَعَتْ … في ضيقِ حَشْرَجَةِ الصُّدورِ

فَهُناكَ تَعْلَمُ موقِنًا … ما كُنْتَ إلَّا في غُرورِ

• واعْلَمْ أنَّ الإنسانَ ما دامَ يُؤَمِّلُ الحياةَ فإنَّهُ لا يَقْطَعُ أملَهُ مِن الدُّنيا، وقد لا تَسْمَحُ نفسُهُ بالإقلاعِ عن لذَّاتِها وشهواتِها مِن المعاصي وغيرِها، ويُرَجِّيهِ الشَّيطانُ التَّوبةَ في آخرِ عمرِهِ، فإذا تَيَقَّنَ الموتَ وأيِسَ مِن الحياةِ؛ أفاقَ مِن سكرتِهِ بشهواتِ الدُّنيا، فنَدِمَ (١) حينئذٍ على تفريطِهِ ندامةً يَكادُ يَقْتُلُ نفسَهُ، وطَلَبَ الرَّجعةَ إلى الدُّنيا لِيَتوبَ ويَعْمَلَ صالحًا، فلا يُجابُ إلى شيءٍ مِن ذلكَ، فيَجْتَمعُ عليهِ سكرة الموتِ معَ حسرةِ الفوتِ.

وقد حَذَّرَ اللهُ تَعالى عبادَهُ مِن ذلكَ في كتابِهِ لِيَسْتَعِدُّوا للموتِ قبلَ نزولِهِ بالتَّوبةِ والعملِ الصَّالحِ:

قالَ تَعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: ٥٤ - ٥٦].

وقد سُمعَ بعضُ المحتضَرينَ عندَ احتضارِهِ يَلْطِمُ على وجهِهِ وتقولُ: يا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جنبِ اللهِ.

وسُمِعَ من آخرَ: سَخِرَتْ بيَ الدُّنيا حتَّى ذَهَبَتْ أيَّامي.

وقالَ آخرُ عندَ موتِهِ: لا تَغُرَّنَكُمُ الدُّنيا كما غَرَّتْني (٢).


(١) في خ: "فيندم"، والأولى ما أثبته من ن وط.
(٢) وهؤلاء يرجى لهم القبول؛ فإن الندم توبة، والتوبة مقبولة ما لم يغرغر صاحبها! وفي الناس من هم شرّ حالًا من أُولئك! تراهم في لحظات النزع لا شغل لهم إلّا مظاهر الدنيا؛ هل جاء فلان؟! وماذا أحضر فلان من الهدايا؟! ولقد رأيت أحدهم في حال يرثى لها، فجاءه أنّ الوزير فلانًا في طريقه إليه، فشدّ نفسه ووضعت له الوسائد ووجم في الحاضرين حتّى ينصرفوا قبل حضور الضيف الكبير، ثمّ مات من ليلته! وقلت لمصاب بجلطة دماغيّة: عليك بالتوبة! فقال لي بصوت متلعثم: ما بقي ما يستحقّ التوبة! فتعجّبت من هذا الجواب الفظيع، ثمّ حضرني قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

<<  <   >  >>