للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعرفةَ، فقالَ: لأنَّهُم زوَّارُ اللهِ وأضيافُهُ، ولا يَنْبَغي للكريمِ أنْ يُجَوِّعَ أضيافَهُ. وهذا المعنى يوجَدُ في العيدينِ وأيَّامِ التَّشريقِ أيضًا؛ فإنَّ النَّاسَ كلَّهُم فيها في ضيافةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، لا سيَّما عيدَ النَّحرِ؛ فإنَّ النَّاسَ يَأْكُلونَ مِن لحومِ نسكِهِم؛ أهلَ الموقفِ وغيرَهُم. وأيَّامُ التَّشريقِ الثَّلاثةُ هيَ أيَّامُ عيدٍ أيضًا، ولهذا بَعَثَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَن يُنادي بمكَّةَ أنَّها أيَّامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فلا يَصومَنَّ أحدٌ (١).

• وقد يَجْتَمعُ في يومٍ واحدٍ عيدانِ، كما إذا اجْتَمَعَ يومُ الجمعةِ معَ يومِ عرفةَ أو يومِ النَّحرِ، فيَزْدادُ ذلكَ اليومُ حرمةً وفضلًا لاجتماعِ عيدينِ فيهِ.

وقد كانَ ذلكَ؛ اجْتَمَعَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حجَّتِهِ يومُ عرفةَ فكانَ يومَ جمعةٍ، وفيهِ نَزَلَتْ هذهِ الآيةُ: {اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دينًا} [المائدة: ٣].

وإكمالُ الدِّينِ في ذلكَ اليومِ حَصَلَ مِن وجوهٍ:

* منها: أنَّ المسلمينَ لم يَكونوا حَجُّوا حجَّةَ الإسلامِ بعدَ فرضِ الحجِّ قبلَ ذلكَ ولا أحدٌ منهُم، هذا قولُ أكثرِ العلماءِ أو كثيرٍ منهُم، فكَمَلَ بذلكَ دينُهُم لاستكمالِهِم عملَ أركانِ الإسلامِ كلِّها (٢).


= الصيام، ٤٠ - صيام يوم عرفة، ١/ ٥٥١/ ١٧٣٢)، وأبو داوود (٨ - الصيام، ٦٣ - صوم عرفة بعرفة، ١/ ٧٤١/ ٢٤٤٠)، والنسائي في "الكبرى" (٢٨٣٠ و ٢٨٣١)، وابن خزيمة (٢١٠١)، والعقيلي (١/ ٢٩٨)، والطحاوي (٢/ ٧١)، والطبراني في "الأوسط" (٢٥٧٧)، وابن عدي (٢/ ٨٥٤)، والحاكم (١/ ٤٣٤)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٣٤٧، ٩/ ٢١)، والبيهقي (٤/ ٢٨٤، ٥/ ١١٧)، والخطيب في "التاريخ" (٩/ ٣٤)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٢١/ ١٦٠ و ١٦١)، والمزّي في "التهذيب" (٢٨/ ٥٨٦)؛ من طرق، عن حوشب بن عقيل، عن مهديّ الهجري، عن عكرمة، عن أبي هريرة (ومرّة: عن ابن عبّاس) … رفعه.
قال الطبراني: "لم يروه عن عكرمة إلَّا مهديّ". وقال العقيلي: "لا يتابع عليه". قلت: ذكره ابن حبّان في "الثقات" وروى عنه ثقتان فقط، وقال الذهبي في "الميزان": "مجهول"، وقال العسقلاني: "مقبول". فمثله لا يطمأنّ لتقوية ما انفرد به، وإن صحّحه ابن خزيمة والحاكم والمنذري والذهبي والعسقلاني. وقد مال إلى تضعيفه العقيلي وابن عدي والألباني.
وله شاهد عند الطبراني في "الأوسط" (٢٣٤٨) بسند فيه متّهم.
(١) (صحيح). سيأتي تفصيل القول فيه (ص ٦٣٤).
(٢) فيه نظر، فحجّة أبي بكر بالناس في السنة التاسعة هي حجّة إسلام على قول من ذهب إلى تأخّر =

<<  <   >  >>