للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واسْتَشارَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المسلمينَ في القتالِ، فتكلَّمَ المهاجرونَ فسَكَتَ عنهُم، وإنَّما كانَ قصدُهُ - صلى الله عليه وسلم - الأنصارَ؛ لأنَّهُ ظَنَّ أنَّهُم لمْ يُبايِعوه إلَّا على نصرتِهِ على مَن قَصَدَهُ في ديارِهِم، فقامَ سَعْدُ بنُ عُبادَةَ فقالَ: إيَّانا تُريدُ (يَعْني: الأنصارَ)؟ والذي نفسي بيده؛ لو أمَرْتَنا أنْ نُخِيضَها البحرَ؛ لأخَضْناها، ولو أمَرْتَنا أنْ نَضْرِبَ أكبادَها إلى بَرْكِ الغِمادِ؛ لَفَعَلْنا (١). وقالَ لهُ المِقدادُ: لا نَقولُ لكَ كما قالَ بنو إسْرائيلَ لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]، ولكنْ نُقاتِلُ معكَ عن يَمينِكَ وشمالِكَ وبينَ يديكَ ومِن خلفِكَ، فسُرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ (٢) وأجْمَعَ على القتالِ وباتَ تلكَ الليلةَ ليلةَ الجمعةِ سابعَ عشرَ رمضانَ قائمًا يُصَلِّي ويَبْكي ويَدْعو الله ويَسْتَنْصِرُهُ على أعدائِهِ.

وفي "المسند": عن عَلِيِّ [بن أبي طالِبٍ]؛ قالَ: لقد رَأيْتُنا وما فينا إلَّا نائمٌ؛ إلَّا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تحتَ شجرةٍ يُصَلِّي ويَبْكي حتَّى أصْبَحَ (٣).

وفيهِ عنهُ أيضًا؛ قالَ: أصابَنا طشٌّ مِن مطرٍ (يَعْني: ليلةَ بدرٍ)، فانْطَلَقْنا تحتَ الشَّجرِ والحَجَفِ نَسْتَظِلُّ بها مِن المطرِ، وباتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعو ربَّهُ ويَقولُ: "إنْ تَهْلِكْ هذهِ الفئةُ لا تُعْبَدْ". فلمَّا أنْ طَلَعَ الفجرُ؛ نادى: الصَّلاةَ عبادَ اللهِ! فجاءَ النَّاسُ مِن تحتِ الشَّجرِ والحجفِ، فصَلَّى بنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وحَثَّ على القتالِ (٤).


(١) رواه مسلم (٣٢ - الجهاد والسير، ٣٠ - غزوة بدر، ٣/ ١٤٠٣/ ١٧٧٩) من حديث أنس. لكن رجّح العسقلاني في "الفتح" (٧/ ٢٨٨) أنّ صاحب هذه المقالة هو سعد بن معاذ لا سعد بن عبادة.
(٢) رواه البخاري (٦٤ - المغازي، ٤ - إذ تستغيثون ربكم، ٧/ ٢٨٧/ ٣٩٥٢) من حديث ابن مسعود.
(٣) (صحيح). رواه: أحمد (١/ ١٢٥ و ١٣٨)، وابن نصر في "تعظيم الصلاة" (٢٧٢)، والنسائي في "الكبرى" (١٠٠٦١)، وأبو يعلى (٢٨٠)، وابن خزيمة (٨٩٩)، والطبري في "التاريخ" (٢/ ٢٣)، وابن حبّان (٢٢٥٧)، وأبو نعيم في "الحلية" (٩/ ٢٥)؛ من طريق الثوريّ تارة وشعبة تارة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عليّ … رفعه.
وهذا سند صحيح رجاله ثقات، ورواية الثوري عن أبي إسحاق أمان من التخليط والتدليس وكذلك رواية شعبة، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبّان والمنذري والألباني.
(٤) (صحيح). رواه: ابن أبي شيبة (٣٦٦٦٨)، وأحمد (١/ ١١٧)، والبزّار (٧١٩)، وابن جرير (١٥٧٧٧) وفي "التاريخ" (٢/ ٢٢)؛ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي … رفعه.
قال الهيثمي (٦/ ٧٩): "رجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب وهو ثقة". قلت: رواية إسرائيل عن أبي إسحاق جيّدة احتجّ بها ابن مهدي والبخاري وغيرهما.

<<  <   >  >>