للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَن عَلَّلَ بهذا؛ فمنهُم مَن كَرِهَ وصلَ صومِ شعبانَ برمضانَ مطلقًا. ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ؛ قالَ: لو صُمْتُ الدَّهرَ كلَّهُ؛ لأفْطَرْتُ الذي بينَهُما. ورُوِيَ فيهِ حديثٌ مرفوعٌ لا يَصِحُّ. والجمهورُ على جوازِ صيامِ ما وافَقَ عادةً؛ لأنَّ الزِّيادةَ إنَّما تُخْشى إذا لمْ يُعْرَفْ سببُ الصِّيامِ.

• والمعنى الثَّالثُ: أنَّهُ أمَرَ بذلكَ؛ للتَّقوِّي على صيامِ رمضانَ؛ فإنَّ مواصلةَ الصِّيامِ [قد] تُضْعِفُ عن صيامٍ الفرضِ، فإذا حَصَلَ الفطرُ قبلَهُ بيومٍ أو يومينِ؛ كانَ أقربَ إلى التَّقوِّي على صيامِ رمضان.

وفي هذا التَّعليلِ نظرٌ؛ فإنَّهُ لا يُكْرَهُ التَّقدُّمُ بأكثرَ مِن ذلكَ (١)، ولا لمَن صامَ الشَّهرَ كلَّهُ، وهوَ أبلغُ في معنى الضَّعفِ، لكنَّ الفطرَ بنيَّةِ التَّقوِّي لصيامِ رمضانَ حسنٌ لمَن أضْعَفَهُ مواصلةُ الصِّيامِ، كما كانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بن العاصِ يَسْرُدُ الفطرَ أحيانًا ثمَّ يَسْرُدُ الصَّومَ لِيَتَقَوَّى بفطرِهِ على صومِهِ.


= فيه على وجهين: روى الأوّل: أبو داوود (٢ - الصلاة، ١٩٤ - الرجل يتطوّع في مكانه، ١/ ٣٢٩/ ١٠٠٧)، والطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٢٨٤/ ٧٢٧) و"الأوسط" (٢١٠٩)، والحاكم (١/ ٢٧٠)، وابن منده في "الصحابة" (٤/ ٧٣ - إصابة)، وأبو نعيم في "الصحابة" (٤/ ٧٣ - إصابة)، والبيهقي (٢/ ١٩٠)؛ من طريقين، عن المنهال بن خليفة، عن الأزرق، عن أبي رمثه … رفعه في قصّة. قال الطبراني: "تفرّد به المنهال". وقال الحاكم: "على شرط مسلم". وردّه المنذري بقوله: "في إسناده أشعث بن شعبة والمنهال وفيهما مقال". وقال الذهبيّ والألباني نحوه وزاد الذهبي: "والحديث منكر". قلت: أشعث ليّن، لكن تابعه عبد الصمد بن النعمان عند الطبراني في "الأوسط" وهو مثله، فخرج الحديث بهذه المتابعة من عهدته. والمنهال ضعيف. وروى الثاني: عبد الرزّاق (٣٩٧٣) من طريق عبد الله بن سعيد، وأحمد (٥/ ٣٦٨) وأبو يعلى (٧١٦٦) وابن منده في "الصحابة" (٤/ ٤٥١ - غابة) وأبو نعيم في "الصحابة" (٤/ ٤٥١ - غابة) من طريق شعبة؛ كلاهما عن الأزرق، سمعت عبد الله بن رباح، عن رجل من الصحابة … رفعه بلفظ: "أصاب ابن الخطّاب". قال الهيثمي (٢/ ٢٣٧): "رجال أحمد رجال الصحيح".
فالعمدة هاهنا الوجه الثاني لاتّفاق شعبة الجبل الإمام مع عبد الله بن سعيد بن أبي هند الصدوق عليه، وخالفهم المنهال على ضعفه في السند وتسمية الصحابي وزيادة القصّة في السياق وهذا حدّ النكارة، والقطعة المذكورة هنا من الحديث صحيحة بهذا الوجه الثاني، وقد أعلّ الألباني الحديث في "المشكاة" (٩٧٢) بأشعث والمنهال وضعّفه جملة، فكأنّه لم يقف على الطريق الأُخرى النظيفة أو رأى أنّها قاصرة عن تقوية سياق أبي داوود بطوله. والله أعلم.
(١) تقدّم أنّ هذا المذهب لا يخلو من نظر.

<<  <   >  >>