للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكثرُ العلماءِ على استحبابِ صيامِ الاثنينِ والخميسِ.

ورُوِيَ كراهتُهُ عن أنسِ بن مالكٍ مِن غيرِ وجهٍ عنهُ. وكانَ مُجاهِدٌ يَفْعَلُهُ ثمَّ تَرَكَهُ وكَرِهَهُ. وكَرِهَ أبو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ صيامَ الاثنينِ. وكَرِهَتْ طائفةٌ صيامَ يومٍ معيَّنٍ كلَّما مَرَّ بالإنسانِ، رُوِيَ عن عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ وابنِ عَبَّاسٍ والشَّعْبِيِّ والنَّخَعِيِّ، ونَقَلَهُ ابنُ القاسِمِ عن مالِكٍ. وقالَ الشَّافِعِيُّ في القديمِ: أكْرَهُ ذلكَ. قالَ: وإنَّما أكْرَهُهُ لئلَّا يَتَأسَّى جاهلٌ فيَظُنَّ أن ذلكَ واجبٌ. فالَ: وإنْ فَعَلَ فحسنٌ؛ يَعْني: على غيرِ اعتقادِ الوجوبِ (١).

• وأمَّا صيامُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن أشهرِ السَّنةِ؛ فكانَ يَصومُ مِن شعبانَ ما لا يَصومُ مِن غيرِهِ مِن الشُّهورِ.

ففي الصَّحيحينِ (٢) عن عائِشَةَ؛ قالَتْ: ما رَأيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتكْمَلَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلَّا رمضانَ، وما رَأيْتُهُ في شهرٍ أكثرَ صيامًا منهُ في شعبانَ. زادَ البُخارِيُّ (٣) في روايةٍ: كانَ يَصومُ شعبانَ كلَّهُ. ولمسلمٍ (٤) في روايةٍ: كانَ يَصومُ شعبانَ كلَّهُ، كانَ يَصومُ شعبانَ إلَّا قليلًا. وفي روايةٍ [لـ]ـنَّسائيِّ عن عائِشَةَ؛ قالَتْ: كانَ أحبَّ الشُهورِ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَصومَ شعبانُ، كانَ يَصِلُهُ برمضانَ (٥).


(١) لا يشرع توقيت عبادة معيّنة في ميقات زمانيّ أو مكانيّ محدّد بغير دليل شرعيّ، فإن حضر الدليل الشرعيّ؛ صارت العبادة مشروعة. فاختصاص السابع والعشرين من رجب بصيام أو قيام بدعة ضلالة، واختصاص يوم عرفة بالصوم مندوب إليه. وبهذا الاعتبار؛ فاختصاص الاثنين والخميس بالصيام أمر مشروع مندوب إليه؛ لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أقرّه واستحبّه في قوله "ذلك يوم ولدت فيه"، وفعله كما في حديث أسامة، وأمر به ابن عمرو كما تقدّم آنفًا. نعم؛ من المستحبّ أن يفطر العبد بعض أيّام الاثنين والخميس اتّباعًا لسنّته - صلى الله عليه وسلم - الفعليّة والتركيّة، فإن لم يفعل؛ فلا بأس عليه. والله أعلى وأعلم.
(٢) البخاري (٣٠ - الصوم، ٥٢ - صوم شعبان، ٤/ ٢١٣/ ١٩٦٩)، ومسلم (١٣ - الصيام، ٣٤ - صيامه - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان، ٢/ ١١٥٦/٨١٠).
(٣) (الموضع السابق، ١٩٧٠).
(٤) (الموضع السابق، ٢/ ٨١١/ ١١٥٦).
(٥) (حسن بهذا السياق). رواه: أحمد (٦/ ١٨٨)، وأبو داوود (٨ - الصيام، ٥٦ - صوم شعبان، ١/ ٧٣٩/ ٢٤٣١)، والنسائي في "المجتبى" (٢٢ - الصيام، ٧٠ - صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ٤/ ١٩٩/ ٢٣٤٩) و"الكبرى" (٢٦٥٩ و ٢٩١٠)، وابن خزيمة (٢٠٧٧)، والحاكم (١/ ٤٣٤)، والبيهقي في "السنن" (٤/ ٢٩٢) و"الشعب" (٣٨١٨)، والبغوي في "السنّة" (١٧٧٩)، والرافعي في "التدوين" (٢/ ٦٦)؛ من طريق معاوية بن صالح، ثنا عبد الله بن أبي قيس، سمعت عائشة … رفعته.

<<  <   >  >>