* خامسًا: لماذا اختصّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الدار والمرأة والفرس بالشؤم دون غيرها؟ لم يختصّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الثلاثة بالذكر لأنّها وحدها موضع الشؤم المأذون به، بل لأنّها أكثر ما يتشاءم به الناس قديمًا وحديثًا. فإن كانت هناك أسباب معقولة للتشاؤم بغيرها؛ فلا ضير في ذلك. كان يرى الرجل ولده في صحبة شابّ أكبر منه وأضخم سيّئ الخلق بذيء اللسان عصبيّ المزاج عنيفًا، فلا ضير عليه إن أوجس خيفة ممّا قد ينزل بولده من جهة صاحبه هذا فمنعه من صحبته. وكذلك إن عرف مخاطر طريق من الطرق … إلخ. * سادسًا: وليس كلّ تشاؤم بالمرأة أو الفرس أو الدار مشروعًا، فمن تشاءم بالدار لأنّ الغراب نعب عند شرائها أو تشاءم بالمرأة لأنّه فتح المصحف عند العقد فوقعت عينه على {عبس وتولّى} أو تشاءم منها لأنّ قريبًا له مات يوم العقد ونحو ذلك؛ فهذا لاحق بالطيرة الشركيّة التي نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عنها. * واعلم أخيرًا أنّ الإسلام دين فطرة وعلم؛ لا يرضى أن ينحدر المسلم إلى الأخذ بالأسباب والأدلّة الخرافيّة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يحول بينه وبين الأخذ بالأسباب التي يقرّها الشرع أو العلم أو العقل أو التجربة. هذه خلاصة الباب فيما أرى، ولله الحمد والمنّة على الإسلام والسنّة. (١) (حسن صحيح). رواه: البخاري في "خلق أفعال العباد" (١٥٣)، وابن ماجه (٩ - النكاح، ٢٧ - ما يقول إذا دخلت عليه أهله، ١/ ١٩١٨/٦١٧)، وأبو داوود (٩ - النكاح، ٤٤ - جامع في النكاح، ١/ ٦٥٥ / ٢١٦٠)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١٠٠٩٣) و"اليوم والليلة" (٢٤١ و ٢٦٤)، والطبراني في "الدعاء" (٩٤٠)، وابن السنّي (٦٠٠)، والحاكم (٢/ ١٨٥)، والبيهقي (٧/ ١٤٨)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٥/ ٣٠٠ - ٣٠٢)، والبغوي في "السنّة" (١٣٢٥) تعليقًا؛ من طرق، عن محمّد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه … رفعه. ابن عجلان صدوق، ورواية عمرو عن أبيه عن جدّه كذلك، فالسند حسن، وقد قوّاه الحاكم والذهبي والعراقي والألباني. ورواه أبو يعلى (٦٦١٠) من طريق حبّان بن عليّ العنزي، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة … رفعه. قال الهيثمي (١٠/ ١٤٤): "فيه حبّان بن عليّ وقد وثّق على ضعفه". قلت: وخالف - على ضعفه - الجماعة الذين رووه من حديث عمرو بن شعيب كما تقدّم، وهذا حدّ النكارة. * ورواه: مالك (٢/ ٥٤٧)، والبغوي (١٣٢٩)؛ عن زيد بن أسلم … مرسلًا. وسنده قويّ. * ورواه ابن عبد البرّ في "التمهيد" (٥/ ٣٠٢) من حديث أبي لاس الخزاعي مرفوعًا بسند رجاله ثقات لكن فيه عنعنة ابن إسحاق. والحديث صحيح بمجموع هذه الأوجه، وقد قوّاه جماعة تقدّم ذكرهم.