للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالعدوى.

وقالَتْ طائفةٌ: بلِ المرادُ بِـ"صَفَرَ" شهرُ صفرَ، ثمَّ اخْتَلَفوا في تفسيرِهِ على قولينِ:

أحدُهُما: أنَّ المرادَ نفيُ ما كانَ أهلُ الجاهليَّةِ يَفْعَلونَهُ في النَّسيءِ، فكانوا يُحِلُّونَ المُحَرَّمَ ويُحَرِّمونَ صَفَرَ مكانَهُ، وهذا قولُ مالكٍ.

والثَّاني: أن المرادَ أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يَسْتَشْئِمونَ بصفرَ ويَقولونَ: إنَّهُ شهرٌ مشؤومٌ، فأبْطَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلكَ. وهذا حَكاهُ أبو داوودَ عن مُحَمَّدِ بن راشِدٍ المَكْحولِيِّ عمَّن سَمِعَهُ يَقولُ ذلكَ.

* ولعلَّ هذا القولَ أشبهُ الأقوالِ، وكثيرٌ مِن الجهَّالِ يَتَشاءَمُ بصَفَرَ، وربَّما يَنْهى عن السَّفرِ فيهِ. والتَّشاؤمُ بصَفَرَ هوَ مِن جنسِ الطِّيَرَةِ المنهيِّ عنها. وكذلكَ التَّشاؤمُ بيومٍ مِن الأيَّامِ كيومِ الأربعاءِ. وقد رُوِيَ أنَّهُ يومُ نحسٍ مستمرٍّ (١) في حديثٍ لا يَصِحُّ. بل في "المسند": عن جابرٍ؛ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعا على الأحزابِ يومَ الاثنينِ والثُّلاثاءِ والأربعاءِ، فاسْتُجيبَ لهُ يومَ الأربعاءِ بينَ الظُّهرِ والعصرِ. قالَ جابِرٌ: فما نَزَلَ بي أمرٌ مهمٌّ غائظٌ إلَّا تَوَخَّيْتُ ذلكَ الوقتَ فدَعَوْتُ الله فيهِ فرَأيْتُ الإجابةَ (٢). أو كما قالَ.


(١) (موضوع). وقد جاء عن جماعة من الصحابة من أوجه:
* فرواه: أبو عوانة (٦٠٢٢)، والطبراني في "الأوسط" (٨٠١ و ٦٤١٨)، والبيهقي (١٠/ ١٧٠)، والخطيب في "الجمع والتفريق" (١/ ٣٧٧)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (٢/ ٧٤) معلّقًا؛ من طريق إبراهيم بن أبي حيّة، ثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر … رفعه. وإبراهيم هذا متروك متّهم.
* ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" (٢/ ٧١) من طريق عبد الرحمن بن خالد الزاهد، عن يحيى بن عبد الله، عن أبي معاوية الموصلي، عن أبي هريرة … رفعه. قال الذهبي في "الميزان" في ترجمة يحيى: "كذب". قلت: عبد الرحمن ويحيى وأبو معاوية مجاهيل.
* ورواه: وكيع في "الغرر"، وابن مردويه في "التفسير"، والخطيب في "التاريخ" (١٤/ ٤٠٥)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (٢/ ٧٣)؛ من طريقين، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن ابن عبّاس … رفعه. وفي الطريق الأولى مسلمة بن الصلت منكر الحديث متروك عن أبي الوزير صاحب ديوان المهدي مجهول، وفي الثانية الحسن بن عبيد الله الأبزاري كذّاب قليل الحياء.
فالحديث بهذه الطرق ساقط، عدّه ابن الجوزي في الموضوعات، وأقرّه الألباني.
(٢) (حسن). رواه: ابن سعد في "الطبقات" (٢/ ٧٣)، وأحمد (٣/ ٣٣٢)، والبخاري في "الأدب =

<<  <   >  >>