للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

• والبحثُ عن أسبابِ الشَّرِّ مِن النَّظرِ في النُّجومِ ونحوِها هوَ مِن الطِّيَرَةِ المنهيِّ عنها (١)، والباحثونَ عن ذلكَ غالبًا لا يَشْتَغِلونَ بما يَدْفَعُ البلاءَ مِن الطَّاعاتِ، بل يَأْمُرونَ يلزومِ المنزلِ وتركِ الحركةِ، وهذا لا يَمْنَعُ نفوذَ القضاءِ والقدرِ. ومنهُم مَن يَشْتَغِلُ بالمعاصي، وهذا ممَّا يُقَوِّي وقوعَ البلاءِ ونفوذَهُ.

والذي جاءَتْ بهِ الشَّريعةُ هوَ تركُ البحثِ عن ذلكَ والإعراضُ عنهُ والاشتغالُ بما يَدْفَعُ البلاءَ مِن الدُّعاءِ والذِّكرِ والصَّدقةِ وتحقيقِ التَّوكُّلِ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ والإيمانِ بقضائِهِ وقدرِهِ.

وفي "مسند ابن وهب"؛ أن عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرِو بن العاصِ الْتَقى هوَ وكَعْبٌ، فقالَ عَبْدُ اللهِ لكَعْبٍ: علمُ النُّجومِ؟ فقالَ كَعْبٌ: لا خيرَ فيهِ. قالَ عَبْدُ اللهِ: لِمَ؟ قالَ: تَرى فيها ما تَكْرَهُ (يُريدُ الطِّيَرَةَ) (٢). فقالَ كَعْبٌ: فإنْ مَضى، وقالَ: اللهمَّ! لا طيرَ إلَّا طيرُكَ، ولا خيرَ إلَّا خيرُكَ، ولا ربَّ غيرُكَ. فقالَ عَبْدُ اللهِ: ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ. فقالَ كَعْبٌ: جاء بها عَبْدُ اللهِ، والذي نفسي بيدِهِ؛ إنَّها لرأْسُ التَّوكُّلِ وكنزُ العبدِ في الجنَّةِ، ولا يَقولُهُنَّ عبدٌ عندَ ذلكَ ثمَّ يَمْضي إلَّا لمْ يَضُرَّهُ شيءٌ. قالَ عَبْدُ اللهِ: أرَأيْتَ إنْ لمْ يَمْضِ وقَعَدَ؟ قالَ: طَعِمَ قلبُهُ طعمَ الإشراكِ.


= ٢٠/ ١١٧٠/ ٣٥٣٨)، وأبو داوود (٢٢ - الطب، ٢٤ - الطيرة، ٢/ ٤٠٩/ ٣٩١٠)، والترمذي (٢٢ - السير، ٤٧ - الطيرة، ٤/ ١٦٠/ ١٦١٤)، وأبو يعلى (٥٠٩٢ و ٥٢١٩)، والبزّار (١٨٤٠)، وابن أبي الدنيا في "التوكّل" (٤١ و ٤٢)، والطحاوي في "المعاني" (٤/ ٣١٢)، وابن حبّان (٦١٢٢)، والحاكم (١/ ١٧ و ١٨)، والسهمي في "التاريخ" (١/ ١٨٧)، والبيهقي في "السنن" (٨/ ١٣٩) و"الشعب" (١١٦٧)، والبغوي في "شرح السنّة" (٣٢٥٧)؛ من طرق، عن سلمة بن كهيل … به مرفوعًا.
قال الترمذي: "حسن صحيح"، وأقرّه البغوي والمنذري والهيثمي والعسقلاني والألباني، وقال الحاكم: "صحيح سنده، ثقات رواته"، ووافقه الذهبي والعراقي والمناوي والألباني.
(١) فيه نظر من وجهين: أوّلهما: أنّ تحريم النظر في النجوم لا يقتصر على البحث عن أسباب الشرّ بل يعمّ أسباب الخير والشرّ معًا. والثاني: أنّ علّة تحريم النظر في النجوم لا ترجع إلى كونه من الطيرة بل إلى كونه من الشرك؛ لأنّه تعليق للحوادث الكونيّة بأسباب مفتراة لا أصل لها شرعًا ولا علمًا ولا تجربة.
(٢) كذا! وفيه نظر وإقرار بأنّ أوضاع النجوم تدلّ على وقوع حوادث كونيّة مكروهة! وأنت تعلم أنّ هذا لا يصحّ شرعًا ولا عقلًا ولا علمًا ولا تجربةً وليس لأصحابه أثارة من دليل. والأصل ألّا يصدّق أهل الكتاب فيما يروونه ولا يكذّبوا؛ فكيف فيما يأتون به اجتهادًا من عقولهم؟!

<<  <   >  >>