للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمشروعُ اجتنابُ ما ظَهَرَ منها واتِّقاؤُهُ بقدرِ ما وَرَدَتْ بهِ الشَّريعةُ (١)، مثلُ اتِّقاءِ المجذومِ والمريضِ والقدومِ على مكانِ الطَّاعونِ.

وأمَّا ما خَفِيَ مِنها (٢)؛ فلا يُشْرَعُ اتِّقاؤُهُ واجتنابُهُ؛ فإنَّ ذلكَ من الطِّيَرَةِ المنهيِّ عنها، والطِّيَرَةُ مِن أعمالِ أهلِ الشِّركِ والكفرِ، وقد حَكاها اللهُ في كتابِهِ عن قومِ فِرْعَوْنَ وقومِ صالِح وأصحابِ القريةِ التي جاءَها المرسلونَ. وقد ثَبَتَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: "لا طِيَرَةَ" (٣). وفي حديثٍ: "مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ فقد قارَفَ الشِّركَ" (٤). وفي حديثِ ابن مَسْعودٍ المرفوعِ: "الطِّيَرَةُ مِن الشِّركِ، وما منَّا إلَّا (٥)؛ ولكنَّ الله يُذْهِبُهُ بالتَّوكُّلِ" (٦).


= الحريق، أصيب فلان بالإيدز بسبب نقل دم ملوّث؟! والآيتان؛ فالمراد منهما عدم نسبة المصائب والشرور التي تحلّ بالعبد إلى الله عزّ وجلّ؛ فإنّها، وإن كانت بقضاء الله وقدره، فالإنسان هو المتسبّب بها أصلًا بذنوبه ومعاصيه، والله سبحانه وتعالى لم يبتدئه بها. وقد استفرغ ابن القيّم يرحمه الله جهده وبذل وسعه في الردّ على نفاة الأسباب في "مدارج السالكين" و"مفتاح دار السعادة" و"شفاء العليل" وغيرها، وما إخال المصنّف يرحمه الله إلّا على مذهب شيخه ابن القيّم في المسألة، وإنّما اعترى عبارته اضطراب أو تحريف أو سقط أورثها هذا المعنى. والله أعلم.
(١) فلا نبالغ في ذلك إلى حدّ إيذاء أصحاب هذه الآفات مثلًا أو سجنهم أو تهجيرهم أو حرمانهم من حقوقهم الشرعيّة، ولا نقصّر ونفرّط في الأخذ بأسباب الحيطة والحذر.
(٢) يريد الأمور التي يظنّها بعض الناس أسبابًا للشرّ بغير دليل شرعيّ أو علميّ أو عقليّ.
(٣) متّفق عليه. تقدّم تخريجه أوّل هذا الباب.
(٤) (حسن بشواهده). رواه: ابن وهب في "الجامع"، والبزّار (٣٠٤٦ - كشف)، وابن أبي حاتم في "العلل" (٢٣٤٧)؛ من طريق عبد الله بن عيّاش القتباني، عن أبيه، عن شييم بن بيتان، عن شيبان بن أميّة، عن رويفع بن ثابت … رفعه. قال البزّار: "لا يروى إلّا بهذا الإسناد". وقال أبو حاتم: "منكر". وقال الهيثمي (٥/ ١٠٨): "فيه سعيد بن أسد بن موسى روى عنه أبو زرعة الرازي ولم يضعّفه أحد، وشيخ البزّار إبراهيم غير منسوب، وبقيّة رجاله ثقات". قلت: سعيد وإبراهيم ثقتان توبعا؛ والعلّة القادحة هي جهالة شيبان.
لكن له شاهد عند: ابن وهب في "الجامع" (٦٥٦ و ٦٥٧)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٢٤/ ١٩٥)، والذهبي في "النبلاء" (١٦/ ٥١٧)؛ من طريقين إحداهما قويّة، عن فضالة بن عبيد .... موقوفًا بلفظه واحتمال أن يكون لهذا حكم الرفع قويّ.
وله شاهد آخر من حديث ابن عمرو، يأتي قريبًا.
(٥) في خ: "وما منّا إلّا يتطيّر"، لكن أشار فوقها إلى أنّها مستفادة من إحدى النسخ، وهي إضافة ناسخ لا أصل لها في متن الحديث.
(٦) (صحيح). رواه الطيالسي في "المسند" (٣٥٦)، وابن أبي شيبة (٢٦٣٨٢)، وأحمد (١/ ٣٨٩ و ٤٣٨ و ٤٤٠)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٩٠٩)، وابن ماجه (٣١ - الطب، ٤٣ - من كان يعجبه الفأل، =

<<  <   >  >>