للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُكِلَ إليها وخُذِلَ؛ فإنَّ جميعَ النِّعمِ مِن اللهِ وفضلِهِ: كما قالَ تَعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النساء: ٧٩]، وقالَ تَعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: ٥٣]

لا نِلْتُ خَيْرًا ما بَقِيْـ … ـتُ وَلا عَداني الدَّهْرَ شَرُّ

إنْ كُنْتُ أعْلَمُ أن غَيْـ … ـرَ اللهِ يَنْفَعُ أوْ يَضُرُّ

ولا تُضافُ النِّعمُ إلى الأسبابِ، بل إلى مسبِّبِها ومقدِّرِها:

كما في الحديث الصَّحيحِ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ صَلَّى بهِمُ الصُّبحَ في إثرِ سماءٍ، ثمَّ قالَ "أتَدْرونَ ما قالَ ربُّكُمُ الليلةَ؟ ". قالوا: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ. قالَ: "أصْبَحَ مِن عبادي مؤمنٌ [بي] وكافرٌ؛ فأمَّا المؤمنُ؛ فقالَ: مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِهِ، فذلكَ مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكبِ، وأمَّا الكافرُ؛ فقالَ: مُطِرْنا بنوءِ كذا وكذا، فذلكَ كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكبِ" (١).

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هُرَيْرَةَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لا عدوى، ولا هامةَ، ولا نَوْءَ، ولا صَفَرَ" (٢).

وهذا ممَّا يَدُلُّ على أن المرادَ نفيُ تأْثيرِ هذهِ الأسبابِ بنفسِها مِن غيرِ اعتقادِ أنَّها بتقديرِ اللهِ وقضائِهِ، فمَن أضافَ شيئًا مِن النِّعمِ إلى غيرِ اللهِ معَ اعتقادِهِ أنَّهُ ليسَ مِن اللهِ؛ فهوَ مشركٌ حقيقةً، ومعَ اعتقادِ أنَّهُ مِن اللهِ؛ فهوَ نوعُ شركٍ خفيٍّ.

والنَّوع الثَّاني: أسبابُ الشَّرِّ. فلا تُضافُ إلَّا إلى الذُّنوبِ؛ لأنَّ جميعَ المصائبِ إنَّما هيَ بسببِ الذُّنوبِ، كما قالَ تَعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]، وقالَ تَعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]. فلا تُضافُ إلى شيءٍ من الأسبابِ سوى الذُّنوبِ كالعدوى أو غيرِها (٣).


(١) رواه: البخاري (١٠ - الأذان، ١٥٦ - يستقبل الإمام الناس، ٢/ ٣٣٣/ ٨٤٦)، ومسلم (١ - الإيمان، ٣٢ - كفر من قال مطرنا بالنوء، ١/ ٨٣/ ٧١)؛ من حديث زيد بن خالد الجهنيّ. و"النوء": علامة فلكيّة خاصّة كظهور نجم معيّن في موضع معيّن أو اقتران نجمين أو نحو دلك.
(٢) هذا أحد ألفاظ مسلم لحديث الصحيحين الذي تقدّم تخريجه أوّل الباب.
(٣) فيه نظر! أفلا يجوز أن يقال: وقع الحادث الفلانيّ بسبب السرعة الزائدة، مات فلان بسبب =

<<  <   >  >>