للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحدود؛ لأنه أصلًا لا يُستوفى إلا بالمطالبة، وإذا كان كذلك: فإذا عفي عنه سقط ولا يلحق ببقية الحدود.

• قوله: (وَقَالَ قَوْمٌ (١): إِنْ بَلَغَ الإِمَامَ لَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، جَازَ الْعَفْوُ).

لأنه إذا وصل إلى الإمام أصبح حقًّا مستقرًّا وليس أمرًا يتعلق بالشخص، فليس هناك مجال إلا إقامة الحد، والشافعية والحنابلة قالوا: حد القذف ينفرد عن بقية الحدود؛ لأنه لا يُستوفَى إلا بالمطالبة، فإذا لم تحصل المطالبة فإنه يسقط، كالحال بالنسبة للقصاص. أليس القصاص يسقط بالعفو وإن بلغ الإمام؟ الجواب: نعم، فلو أن إنسانًا اعتدى على آخر فقتله فعفا أولياء القتيل، أليس ينتقل إلى الدية إن طالبوا بها أو إلى العفو مطلقًا؟ الجواب: نعم، إذن قاسوه على القصاص بجانب صحة العفو كله.

• قوله: (وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ (٢) فِي ذَلِكَ، فَمَرَّةً قَالَ بقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَرَّةً قَالَ: يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَبْلُغِ الإِمَامَ، وَإِنْ بَلَغَ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْمَقْذُوفُ السِّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ).

إذن، الإمام مالك القول عنه متردد، فله رواية مع الشافعي وأحمد، وهذا حقيقةً هو رأي الجمهور وهو أقرب؛ لأن حد القذف أمر يتعلق بالإنسان، فعندما يرميه إنسان بالبهتان، فبعض الناس لا يريد أن يرفع الأمر


(١) هو أحد قولي الإمام مالك، يُنظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد (٣/ ٢٦٦) حيث قال: "والثالث: أنه حق لصاحبه ما لم يبلغ الإمام، فإذا بلغ الإمام صار حقًّا لله ولم يجز لصاحبه أن يعفو عنه إلا أن يريد سترًا. وهو أحد قولي مالك".
(٢) يُنظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" لابن عبد البر (٢/ ١٠٧٨) حيث قال: "واختلف قول مالك في جواز عفو المقذوف عن قاذفه عند السلطان فمرة قال: لا يجوز إلا أن يريد سترًا على نفسه، ومرة قال: يجوز على كل حال ولم يختلف قوله إنه يجوز قبل رفعه إلى السلطان على كل حال".

<<  <  ج: ص:  >  >>