للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغِفاري كلها أحاديث ليس فيها ذكرٌ للوضوء. قالوا: فدلَّ ذلك على عدم وجوبه.

وهناك فرقٌ بين الوضوء وبين المضمضة والاستنشاق، قَدْ يلتبس على البعض، ولَكن المراد هنا الوضوء الكامل، والسبب الذي دعا العلماء إلى قولهم بأن الوضوء ليس واجبًا على المغتسل إنما هو القاعدة المعروفة أنه: "إذا اجتمع حدثان أصغر وأكبر، هل يدخل الأصغر في الأكبر أم لا" (١)؟

يقولون: نعم، إذا نوى ذلك، لكن شريطة ألا يعزب عن ذلك النية، فأنت إذا أردتَ أن تغتسل، فالأولى والأكمل أن تتوضأ، ولكن وأنت تتوضأ هل تنوي رفع الحدثين، أم تنوي رفع الحدث الأكبر، ويدخل فيه الحدث الأصغر؟

هذا ما يجب أن يراعيه الإنسان، والأكمل الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم هو أن ينوي، ثم يُسمِّي، وبعد ذلك يغسل يديه كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يُفْرغ بيمينه على شماله، فيغسل موضع الأذى، ثمَّ بعد ذلك الأكمل أن يتوضَّأ جملةً، هذا هو الأكمل، وبعد ذلك يصب الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم يبدأ بميامنه، ويُدلك أعضاءه خروجًا من خلَاف المالكيَّة، ثم يتنحَّى ويغسل بعد ذلك رجليه على خِلَافٍ بين العلماء في أيهما أفضل، فبَعْض العلماء مثلًا كالشافعيَّة (٢)، يَرَون أن الأولى أن يغسل رجليه دون أن يغسلهما عن بقية الأعضاء، والحنابلة يرون أن الأَوْلَى هو أن يتوضأ إلا ما يتعلق بالرجلين، فإنه يُؤخِّرهما بعد ذلك (٣) حتى ينتقل إلى مكانٍ أنظفَ من ذلك كما ورد في حديث ميمونة (٤)، فإن فيه زيادةً


(١) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (١/ ١٧٧)، حيث قال: "ولو اجتمع عليه أصغر وأكْبَر، كفاه الغسل لهما"، وانظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (١/ ٥٤).
(٢) هو الأصح عند الشافعية، يُنظر: "المنهاج" للنووي (ص ١٤)، حيث قال: "وأكمله إزالة القذر، ثم الوضوء، وفي قولٍ: يؤخر غسل قدميه".
(٣) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ٨٥)، حيث قال: "ويعيد غسل رجليه بمكان آخر"، وانظر: "مطالب أولي النهى" للرحيباني (١/ ١٨٠).
(٤) أخرجه البخاري (٢٤٩)، ومسلم (٣١٧)، واللفظ له، عن ابن عباسٍ، قال: حدثتني =

<<  <  ج: ص:  >  >>