للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشيئًا في عهد الخلفاء الراشدين، وهكذا مرت العصور، إلى أن وصلت غايةَ مجدها وأَوْجها في أوائل الدولة العباسية، كما نعلم؛ فقد امتد نطاقها، ودخلت بلاد الأندلس ضِمن رقعة الدولة الإسلامية، وأصبح نداء (اللَّه أكبر) يُسمع في كل مكان، وفي كل بقعةٍ من بقاع الأرض، بالفعل هذا حصل.

وانتشر نور الإيمان في كل مكان، والإيمان -كما هو معلوم- يسري بين الناس؛ لأنه دين الفطرة، ولأنه الدين الحق، فإن كل من عرف هذا الإسلام على حقيقته فلا شك أنه - إن لم يكن مكابرًا معاندًا، سيتأثر به، ويدخل فيه.

حتى إن المشركين -مع ما كانوا عليه من وقوفٍ في وجه الإسلام، ومن عناد، ومن حقدٍ على الإسلام- كانوا يتسللون لِوَاذًا فيأتون؛ ليسمعوا القرآن يُتلى من أبي بكرٍ (١)، ومن غيره في مكة (٢).


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (٣/ ٩٨) عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: "لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا ياتينا فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم، ولصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر، فليعبد ربه في داره، فليصلِّ، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة، ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدًا بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن. . . . . ".
(٢) كأنه يُشير إلى ما ذكره ابن إسحاق في السيرة (١/ ٣١٥) "عن محمد بن مسلم بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>