فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ} [التّوبة: ٣٨]. وقال عن مؤمن آل فرعون أنه قال لقومه:{يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ}[غافر: ٣٩].
والمتاع: هو ما يتمتّع به صاحبه برهة ثم ينقطع ويفنى. فما عيبت الدّنيا بأبلغ من ذكر فنائها وتقلّب أحوالها، وهو أدلّ دليل على انقضائها وزوالها، فتتبدّل صحتها بالسّقم، ووجودها بالعدم، وشبيبتها بالهرم، ونعيمها بالبؤس، وحياتها بالموت، فتفارق الأجسام النفوس، وعمارتها بالخراب، واجتماعها بفرقة الأحباب، وكلّ ما فوق التّراب تراب.
قال بعض السّلف في يوم عيد، وقد نظر إلى كثرة النّاس وزينة لباسهم: هل ترون إلاّ خرقا تبلى، أو لحما يأكله الدّود غدا؟ كان الإمام أحمد رضي الله عنه يقول:
يا دار، تخربين ويموت سكانك. وفي الحديث:«عجبا لمن رأى الدّنيا وسرعة تقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها»(١). قال الحسن: إنّ الموت قد فضح الدّنيا فلم يدع لذي لبّ بها فرحا. وقال مطرّف: إنّ هذا الموت قد أفسد على أهل النّعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه.
وقال بعضهم: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كلّ نعيم، ثم بكى وقال: واها لدار لا موت فيها. وقال يونس بن عبيد: ما ترك ذكر الموت لنا قرّة عين؛ في أهل ولا مال. وقال يزيد الرّقاشي: أمن أهل الجنّة الموت فطاب لهم العيش، وأمنوا من الأسقام، فهنيئا لهم في جوار الله طول المقام.
عيوب الدّنيا بادية، وهي بعبرها ومواعظها منادية، لكنّ حبّها يعمي ويصمّ، فلا يسمع محبّها نداءها، ولا يرى كشفها للغير وإيذاءها.
قد نادت الدّنيا على نفسها … لو كان في العالم من يسمع
(١) أخرجه: البيهقي في «الزهد الكبير» (٢/ ٢١٥) موقوفا على عليّ رضي الله عنه، ولا يصح مرفوعا.