وفي حديث أنس: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصّى رجلا ببرّ أمّه، وقال له:«أنت حاجّ ومعتمر ومجاهد»، يعني إذا برّها.
وقال بعض الصحابة: الخروج إلى العيد يوم الفطر يعدل عمرة، ويوم الأضحى يعدل حجّة.
قال الحسن: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجّة بعد حجّة.
وقال عقبة بن عبد الغافر: صلاة العشاء في جماعة تعدل حجّة، وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة. وقال أبو هريرة لرجل: بكورك إلى المسجد أحبّ إليّ من غزوتنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ذكره الإمام أحمد.
أداء الواجبات كلّها أفضل من التنفّل بالحجّ والعمرة وغيرهما؛ فإنّه ما تقرّب العباد إلى الله تعالى بأحبّ إليه من أداء ما افترض عليهم. وكثير من الناس يهون عليه التنفّل بالحجّ والصّدقة ولا يهون عليه أداء الواجبات من الديون وردّ المظالم، وكذلك يثقل على كثير من النّفوس التنزّه عن كسب الحرام والشبهات، ويسهل عليها إنفاق ذلك في الحجّ والصّدقة. قال بعض السّلف:
ترك دانق ممّا يكرهه الله أحبّ إليّ من خمسمائة حجّة.
كفّ الجوارح عن المحرّمات أفضل من التطوّع بالحجّ وغيره، وهو أشقّ على النفوس. قال الفضيل بن عياض: ما حجّ ولا رباط ولا جهاد أشدّ من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمّك لسانك أصبحت في همّ شديد. ليس الاعتبار بأعمال البرّ بالجوارح، إنّما الاعتبار ببرّ القلوب وتقواها، وتطهيرها عن الآثام. سفر الدنيا يقطع بسير الأبدان، وسفر الآخرة يقطع بسير القلوب.
قال رجل لبعض العارفين: قد قطعت إليك مسافة، قال: ليس هذا الأمر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة وقد وصلت إلى مقصودك. سير القلوب