للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالت عائشة: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: جهادكنّ الحجّ والعمرة» (١).

وكان منهم من إذا تخلّف عن الغزو اجتهد في مشاركة الغزاة في أجرهم؛ فإمّا أن يخرج مكانه رجلا بماله؛ وإمّا أن يعين غازيا؛ وإمّا أن يخلفه في أهله بخير. فإنّ من فعل هذا كلّه فقد غزا.

تصدّق بعض الأغنياء بمال كثير، فبلغ ذلك طائفة من الصّالحين، فاجتمعوا في مكان، وحسبوا ما تصدّق به من الدّراهم، وصلّوا بدل كلّ درهم تصدّق به لله ركعة. هكذا يكون استباق الخيرات والتنافس في علوّ الدرجات.

كذاك الفخر يا همم الرّجال … تعالي فانظري كيف التّغالي

سبحان من فضّل هذه الأمّة وفتح لها على يدي نبيّها، نبيّ الرّحمة، أبواب الفضائل الجمّة؛ فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون، إلاّ وقد جعل الله عملا يقاومه، أو يفضل عليه، فتتساوى الأمّة كلّها في القدرة عليه.

لمّا كان الجهاد أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من النّاس عليه، كان الذّكر الكثير الدّائم يساويه ويفضل عليه، وكان العمل في عشر ذي الحجّة يفضل عليه، إلاّ من خرج بنفسه وماله ولم يرجع منهما بشيء.

لمّا كان الحجّ من أفضل الأعمال، والنّفوس تتوق إليه؛ لما وضع الله في القلوب من الحنين إلى ذلك البيت المعظّم، وكان كثير من النّاس يعجز عنه، ولا سيما كلّ عام، شرع الله لعباده أعمالا يبلغ أجرها أجر الحجّ، فيتعوّض بذلك العاجزون عن التطوّع بالحجّ.


(١) أخرجه: البخاري (٤/ ٣٩) (٢٨٧٥)، وأحمد (٦/ ٧٥).

<<  <   >  >>